فصل
يجب
فيما سقي بماء السماء من الثمار والزروع العشر ، وكذا البقل وهو الذي يشرب بعروقه لقربه من الماء ، وكذا ما يشرب من ماء ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة ، ففي هذا كله العشر ، وما سقي بالنضح أو الدلاء أو الدواليب ، ففيه نصف العشر ، وكذا ما سقي بالدالية وهي المنجنون يديرها البقر ، وما سقي بالناعور وهو ما يديره الماء بنفسه . وأما القنوات والسواقي المحفورة من النهر العظيم ، ففيها العشر كماء السماء . هذا هو المذهب المشهور الذي قطع به طوائف الأصحاب من العراقيين وغيرهم ، وادعى
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين اتفاق الأئمة عليه ؛ لأن مؤنة القنوات إنما تتحمل لإصلاح الضيعة ، والأنهار تشق لإحياء الأرض ، وإذا تهيأت وصل الماء إلى الزرع بنفسه مرة بعد أخرى ، بخلاف النواضح ونحوها ، فمؤنتها فيها لنفس الزرع . ولنا وجه أفتى به
nindex.php?page=showalam&ids=14636أبو سهل الصعلوكي أنه يجب نصف العشر في السقي بماء القناة ، وقال صاحب التهذيب : إن كانت القناة أو العين كثيرة المؤنة بأن لا تزال تنهار وتحتاج إلى إحداث حفر ، وجب نصف العشر . وإن لم يكن لها مؤنة أكثر من مؤنة الحفر الأول ، وكسحها في بعض الأوقات ، فالعشر ، والمذهب ما قدمناه .
[ ص: 245 ] فرع
قال القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج :
لو اشترى الماء كان الواجب نصف العشر ، وكذا لو سقاه بماء مغصوب ؛ لأن عليه ضمانه ، وهذا حسن جار على كل مأخذ ، فإنه لا يتعلق بصلاح الضيعة ، بخلاف القناة . ثم حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج عن
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان وجهين فيما لو وهب له الماء ، ورجح إلحاقه بالمغصوب للمنة العظيمة ، وكما لو علف ماشيته بعلف موهوب .
قلت : الوجهان إذا قلنا : لا تقتضي الهبة ثوابا . صرح به
الدارمي ، قال : فإن قلنا : تقتضيه ، فنصف العشر قطعا ، والله أعلم .
فرع
إذا
اجتمع في الزرع الواحد السقي بماء السماء والنضح فله حالان . أحدهما : أن يزرع عازما على السقي بهما ، ففيه قولان . أظهرهما : يقسط الواجب عليهما ، فإن كان ثلثا السقي بماء السماء ، والثلث بالنضح وجب خمسة أسداس العشر . ولو سقي على التساوي وجب ثلاثة أرباع العشر ، والثاني : الاعتبار بالأغلب ، فإن كان ماء السماء أغلب وجب العشر ، وإن غلب النضح فنصف العشر ، فإن استويا فوجهان ، أصحهما : يقسط كالقول الأول ، وبهذا قطع الأكثرون ، والثاني : يجب العشر ؛ نظرا للمساكين . ثم سواء قسطنا أو اعتبرنا الأغلب ، فالنظر إلى ماذا ؟ وجهان . أحدهما : النظر إلى عدد السقيات ، والمراد : السقيات النافعة دون ما لا ينفع . والثاني وهو أوفق لظاهر النص : الاعتبار بعيش الزرع أو الثمر ونمائه ، وعبر بعضهم عن هذا الثاني بالنظر إلى النفع ، وقد تكون السقية الواحدة
[ ص: 246 ] أنفع من سقيات كثيرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين : والعبارتان متقاربتان ، إلا أن صاحب الثانية لا ينظر إلى المدة ، بل يعتبر النفع الذي يحكم به أهل الخبرة ، وصاحب الأولى يعتبر المدة .
واعلم أن اعتبار المدة هو الذي قطع به الأكثرون ، تفريعا على الوجه الثاني ، وذكروا في المثال أنه لو كانت المدة من يوم الزرع إلى يوم الإدراك ثمانية أشهر ، واحتاج في ستة أشهر زمن الشتاء والربيع إلى سقيتين ، فسقي بماء السماء ، وفي شهرين من الصيف إلى ثلاث سقيات ، فسقي بالنضح ، فإن اعتبرنا عدد السقيات ، فعلى قول التوزيع : يجب خمسا العشر وثلاثة أخماس نصف العشر ، وعلى اعتبار الأغلب : يجب نصف العشر ، وإن اعتبرنا المدة فعلى قول التوزيع : يجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر ، وعلى اعتبار الأغلب : يجب العشر . ولو سقي بماء السماء والنضح جميعا ، وجهل المقدار ، وجب ثلاثة أرباع العشر على الصحيح الذي قطع به الجمهور ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج وجها أنه يجب نصف العشر ؛ لأن الأصل براءة الذمة مما زاد .
الحال الثاني : أن يزرع ناويا السقي بأحدهما ، ثم يقع الآخر ، فهل يستصحب حكم ما نواه أولا أم يتغير الحكم ؟ وجهان . أصحهما : الثاني ، ثم في كيفية اعتبارهما الخلاف المتقدم .
فرع
لو اختلف المالك والساعي في أنه بماذا سقى ؟ فالقول قول المالك ؛ لأن الأصل عدم وجوب الزيادة .
فرع
لو
سقى زرعا بماء السماء وآخر بالنضح ، ولم يبلغ واحد منهما نصابا - ضم أحدهما إلى الآخر ؛ لتمام النصاب وإن اختلف قدر الواجب .