باب
زكاة الذهب والفضة
لا زكاة فيهما فيما دون النصاب . ونصاب الفضة مائتا درهم . والذهب : عشرون مثقالا ، وزكاتهما ربع العشر ، ويجب فيما زاد على النصاب منهما بحسابه ، قل
[ ص: 257 ] أم كثر ، وسواء فيهما المضروب والتبر ، وغيره ، والاعتبار بوزن
مكة . فأما المثقال فمعروف ، ولم يختلف قدره في الجاهلية ولا في الإسلام . وأما الفضة : فالمراد دراهم الإسلام ، وزن الدرهم ستة دوانيق ، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ذهب . وقد أجمع أهل العصر الأول على هذا التقدير . قيل : كان في زمن
بني أمية ، وقيل : كان في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ولو نقص عن النصاب حبة أو بعض حبة فلا زكاة ، وإن راج رواج التام ، أو زاد على التام بجودة نوعه ولو نقص في بعض الموازين وتم في بعضها - فوجهان . الصحيح أنه لا زكاة ، وبه قطع
المحاملي وغيره . ويشترط ملك النصاب بتمامه حولا كاملا . ولا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر ، كما لا يكمل التمر بالزبيب ، ويكمل الجيد بالرديء من الجنس الواحد ، كأنواع الماشية . والمراد بالجودة : النعومة ، والصبر على الضرب ونحوهما . وبالرداءة : الخشونة ، والتفتت عند الضرب . وأما
إخراج زكاة الجيد والرديء ، فإن لم تكثر أنواعه ، أخرج من كل بقسطه ، وإن كثرت وشق اعتبار الجميع أخرج من الوسط . ولو أخرج الجيد عن الرديء ، فهو أفضل ، وإن أخرج الرديء عن الجيد ، لم يجزئه على الصحيح الذي قطع به الأصحاب . وقال
الصيدلاني : يجزئه ، وهو غلط . ويجوز إخراج الصحيح عن المكسر ، ولا يجوز عكسه ، بل يجمع المستحقين ويصرف إليهم الدينار الصحيح بأن يسلمه إلى واحد بإذن الباقين ، هذا هو الصحيح المعروف . وحكي وجه أنه يجوز أن يصرف إلى كل واحد حصته مكسرا . ووجه أنه يجوز ذلك ، لكن مع التفاوت بين الصحيح والمكسر . ووجه أنه يجوز إذا لم يكن بين الصحيح والمكسر فرق في المعاملة .
[ ص: 258 ] فرع
إذا
كان له دراهم أو دنانير مغشوشة ، فلا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا ، فإذا بلغه ، أخرج الواجب خالصا ، أو أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالص بقدر الواجب . ولو أخرج عن ألف مغشوشة خمسة وعشرين خالصة أجزأه وقد تطوع بالفضل ، ولو أخرج خمسة مغشوشة عن مائتين خالصة ، لم تجزئه . وهل له الاسترجاع ؟ حكوا عن
ابن سريج فيه قولين ، أحدهما : لا ، كما لو أعتق رقبة عن كفارة معيبة يكون متطوعا بها ، وأظهرهما : نعم ، كما لو عجل الزكاة فتلف ماله . قال
ابن الصباغ : وهذا إذا كان قد بين عند الدفع أنه يخرج عن هذا المال .
فرع
يكره للإمام
ضرب الدراهم المغشوشة ، ويكره للرعية ضرب الدراهم وإن كانت خالصة ؛ لأنه من شأن الإمام . ثم الدراهم المغشوشة إن كانت معلومة العيار صحت المعاملة بها على عينها الحاضرة وفي الذمة . وإن كان مقدار النقرة فيها مجهولا ، ففي جواز المعاملة على عينها وجهان . أصحهما الجواز ؛ لأن المقصود رواجها ، ولا يضر اختلاطها بالنحاس كالمعجونات ، والثاني : لا يجوز كتراب المعدن . فإن قلنا بالأصح ، فباع بدراهم مطلقا ونقد البلد مغشوش - صح العقد ووجب من ذلك النقد ، وإن قلنا بالثاني لم يصح العقد .
[ ص: 259 ] فرع
لو
كان له إناء من ذهب وفضة وزنه ألف ، من أحدهما ستمائة ومن الآخر أربعمائة ، ولا يعرف أيهما الأكثر، فإن احتاط فزكى ستمائة ذهبا وستمائة فضة - أجزأه ، فإن لم يحتط ، ميزهما بالنار . قال الأئمة : ويقوم مقامه الامتحان بالماء ، بأن يوضع قدر المخلوط من الذهب الخالص في ماء ، ويعلم على الموضع الذي يرتفع إليه الماء ، ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة الخالصة ، ويعلم على موضع الارتفاع ، وهذه العلامة تقع فوق الأولى ؛ لأن أجزاء الذهب أكثر اكتنازا ، ثم يوضع فيه المخلوط ، وينظر ارتفاع الماء به ، أهو إلى علامة الفضة أقرب أم إلى علامة الذهب ؟ ولو غلب على ظنه الأكثر منهما ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الشيخ أبو حامد ومن تابعه : إن كان يخرج الزكاة بنفسه ، فله اعتماد ظنه ، وإن دفعها إلى الساعي ، لم يقبل ظنه ، بل يلزمه الاحتياط أو التمييز . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين : الذي قطع به أئمتنا أنه لا يجوز اعتماد ظنه . قال الإمام : ويحتمل أن يجوز له الأخذ بما شاء من التقديرين ؛ لأن اشتغال ذمته بغير ذلك غير معلوم ، وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في الوسيط هذا الاحتمال وجها .
فرع
لو
ملك مائة درهم في يده وله مائة مؤجلة على مليء ، فكيف يزكي ؟ يبنى على أن المؤجل تجب فيه زكاة أم لا ؟ والمذهب وجوبها . وإذا أوجبناها فالأصح أنه لا يجب الإخراج في الحال ، وسبق بيانه . فإن قلنا : لا زكاة في المؤجل ، فلا شيء عليه في مسألتنا ؛ لعدم النصاب . وإن أوجبنا إخراج زكاة المؤجل في
[ ص: 260 ] الحال ، زكى المائتين في الحال ، وإن أوجبناها ولم نوجب الإخراج في الحال ، فهل يلزمه إخراج حصة المائة التي في يده في الحال ، أم يتأخر إلى قبض المؤجلة ؟ فيه وجهان . أصحهما : يجب في الحال ، وهما بناء على أن الإمكان شرط للوجوب أو الضمان ، إن قلنا بالأول لم يلزمه ؛ لاحتمال أن لا يحصل المؤجل ، وإن قلنا بالثاني أخرج ، ومن كان في يده دون نصاب ، وتمامه مغصوب ، أو دين ، ولم نوجب فيهما زكاة - ابتدأ الحول من حين يقبض ما يتم به النصاب .
فصل
لا
زكاة فيما سوى الذهب والفضة من الجواهر ، كالياقوت ، واللؤلؤ ، وغيرهما ، ولا في المسك والعنبر .