فصل
لا خلاف أن
قدر زكاة التجارة ربع العشر كالنقد ، ومن أين يخرج ؟ فيه ثلاثة أقوال ، المشهور الجديد : يخرج من القيمة ، ولا يجوز أن يخرج من عين العرض ، والثاني : يجب الإخراج من العين ، ولا يجوز من القيمة ، والثالث : يتخير بينهما ، فلو اشترى بمائتي درهم مائتي قفيز حنطة أو بمائة وقلنا : يعتبر النصاب آخر الحول فقط ، وحال الحول وهي تساوي مائتي درهم ، فعلى المشهور : عليه خمسة دراهم ، وعلى الثاني : خمسة أقفزة وعلى الثالث : يتخير بينهما . فلو أخر إخراج الزكاة حتى نقصت قيمتها فعادت إلى مائة ، نظر ، إن كان ذلك قبل إمكان الأداء وقلنا : الإمكان شرط للوجوب ، فلا زكاة . وإن قلنا : شرط للضمان ، لزمه على المشهور درهمان ونصف ، وعلى الثاني : خمسة أقفزة ، وعلى الثالث : يتخير بينهما ، وإن كان بعد الإمكان ، لزمه على المشهور : خمسة دراهم ؛ لأن النقصان من ضمانه ، وعلى الثاني : خمسة أقفزة ، ولا يضمن نقصان القيمة مع بقاء العين كالغاصب ، وعلى الثالث : يتخير بينهما . ولو أخر فبلغت القيمة أربعمائة درهم ، فإن كان قبل إمكان الأداء وقلنا : هو شرط للوجوب - لزمه على المشهور عشرة دراهم ، وعلى الثاني : خمسة أقفزة ، وعلى الثالث : يتخير بينهما ، وإن قلنا : شرط الضمان ، لزمه على المشهور خمسة دراهم ، وعلى الثاني : خمسة أقفزة قيمتها خمسة دراهم ؛ لأن هذه الزيادة في ماله ومال المساكين ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة : يكفيه على هذا القول : خمسة أقفزة قيمتها خمسة دراهم ؛ لأن هذه الزيادة حدثت بعد وجوب الزكاة ، وهي محسوبة في الحول الثاني ، وعلى الثالث : يتخير بين الأمرين . ولو أتلف الحنطة بعد وجوب الزكاة وقيمتها مائتا درهم ، فصارت
[ ص: 274 ] أربعمائة ، لزمه على المشهور خمسة دراهم ؛ لأنها القيمة يوم الإتلاف ، وعلى الثاني : خمسة أقفزة قيمتها عشرة دراهم ، وعلى الثالث : يتخير بينهما .
فرع
فيما يقوم به مال التجارة
لرأس المال أحوال .
أحدها : أن يكون نقدا نصابا ، بأن يشتري عرضا بمائتي درهم ، أو عشرين دينارا ، فيقوم في آخر الحول به ، فإن بلغ به نصابا زكاه ، وإلا فلا . وإن كان الثاني غالب نقد البلد ، ولو قوم به لبلغ نصابا ، حتى لو اشترى بمائتي درهم عرضا ، فباعه بعشرين دينارا وقصد التجارة مستمر ، فتم الحول والدنانير في يده ، ولا تبلغ قيمتها مائتي درهم ، فلا زكاة . هذا هو المذهب المشهور . وعن صاحب التقريب حكاية قول أن التقويم أبدا يكون بغالب نقد البلد ، ومنه يخرج الواجب ، سواء كان رأس المال نقدا أم غيره ، وحكى
الروياني هذا عن
ابن الحداد .
الحال الثاني : أن يكون نقدا دون النصاب ، فوجهان أصحهما : يقوم بذلك النقد ، والثاني : بغالب نقد البلد كالعرض . وموضع الوجهين ما إذا لم يملك من جنس النقد الذي اشترى به ما يتم به النصاب ، فإن ملك ما يتم به النصاب ، بأن اشترى بمائة درهم عرضا وهو يملك مائة أخرى ، فلا خلاف أن التقويم بجنس ما ملك به ؛ لأنه اشترى ببعض ما انعقد عليه الحول ، وابتدأ الحول من حين ملك الدراهم .
قلت : لكن يجري فيه القول الذي حكاه صاحب التقريب ، والله أعلم .
[ ص: 275 ] الحال الثالث : أن يملك بالنقدين جميعا ، وهو على ثلاثة أضرب .
أحدها : أن يكون كل واحد نصابا ، فيقوم بهما على نسبة التقسيط يوم الملك . وطريقه : تقويم أحد النقدين بالآخر . مثاله ، اشترى بمائتي درهم وعشرين دينارا ، فينظر ، إن كان قيمة المائتين عشرين دينارا ، فنصف العرض مشترى بدراهم ، ونصفه بدنانير . وإن كانت قيمتها عشرة دنانير ، فثلثه مشرى بدراهم ، وثلثاه بدنانير . وهكذا يقوم في آخر الحول ، ولا يضم أحدهما إلى الآخر ، فلا تجب الزكاة إذا لم يبلغ واحد منهما نصابا وإن كانت بحيث لو قوم الجميع بأخذ النقدين لبلغ نصابا ، وحول كل واحد من المبلغين من حين ملك ذلك النقد .
الضرب الثاني : أن يكون كل واحد منهما دون النصاب ، فإن قلنا : ما دون النصاب ، كالعرض ، قوم الجميع بنقد البلد ، وإن قلنا : كالنصاب ، قوم ما ملكه بالدراهم بدراهم ، وما ملكه بالدنانير بدنانير .
الضرب الثالث : أن يكون أحدهما نصابا والآخر دونه ، فيقوم ما ملكه بالنقد الذي هو نصاب بذلك النقد ، وما ملكه بالنقد الآخر على الوجهين ، وكل واحد من المبلغين يقوم في آخر حوله وحول المملوك بالنصاب من حين ملك ذلك النقد ، وحول المملوك بما دونه من حين ملك العرض . وإذا اختلف جنس المقوم به ، فلا ضم كما سبق .
الحال الرابع : أن يكون رأس المال غير نقد ، بأن ملك بعرض قنية ، أو ملك بخلع أو نكاح بقصد التجارة وقلنا : يصير مال تجارة ، فيقوم في آخر الحول بغالب نقد البلد من الدراهم أو الدنانير . فإن بلغ به نصابا زكاه ، وإلا فلا ، وإن كان يبلغ بغيره نصابا . فلو جرى في البلد نقدان متساويان ، فإن بلغ بأحدهما نصابا دون الآخر قوم به ، وإن بلغ بهما فأوجه ، أصحها : يتخير المالك فيقوم
[ ص: 276 ] بما شاء منهما ، والثاني : يراعي الأغبط للمساكين ، والثالث : يتعين التقويم بالدراهم ؛ لأنها أرفق ، والرابع : يقوم بالنقد الغالب في أقرب البلاد إليه .
الحال الخامس : أن يملك بالنقد وغيره بأن اشترى بمائتي درهم وعرض قنية ، فما قابل الدراهم يقوم بها ، وما قابل العرض ، يقوم بنقد البلد . فإن كان النقد دون النصاب ، عاد الوجهان . كما يجري التقسيط عند اختلاف الجنس ، يجري عند اختلاف الصفة ، كما لو اشترى بنصاب من الدنانير بعضها صحيح وبعضها مكسر ، وبينهما تفاوت ، فيقوم ما يخص الصحيح بالصحاح ، وما يخص المكسر بالمكسر .