فصل في
زكاة مال القراض
عامل القراض لا يملك حصته من الربح إلا بالقسمة على الأظهر ، وعلى الثاني : يملكها بالظهور . فإذا دفع إلى غيره نقدا قراضا وهما جميعا من أهل الزكاة ، فحال عليه الحول فإن قلنا : العامل لا يملك الربح بالظهور ، وجب على المالك زكاة رأس المال والربح جميعا ؛ لأن الجميع ملكه ، كذا قاله الجمهور . ورأى الإمام تخريج الوجوب في نصيب العامل على الخلاف في المغصوب والمحجور ، لتأكد حقه في حصته . وحول الربح مبني على حول الأصل ، إلا إذا رد إلى النضوض ، ففيه الخلاف السابق . ثم إن أخرج الزكاة من موضع آخر ، فذاك وإن أخرجها من هذا المال ، ففي حكم المخرج أوجه ، أصحها عند الأكثرين وهو المنصوص : يحسب من الربح كالمؤن التي تلزم المال وكما أن فطرة عبيد التجارة وأرش جناياتهم من الربح . والثاني : من رأس المال ، والثالث أنه لطائفة من المال ، يستردها المالك ؛ لأنه مصروف إلى حق لزمه . فعلى هذا يكون المخرج من الربح ورأس المال جميعا بالتقسيط . مثاله : رأس المال مائتان ، والربح
[ ص: 281 ] مائة ، فثلثا المخرج من رأس المال ، وثلثه من الربح . قال في التهذيب : الوجهان مبنيان على تعلق الزكاة ، هل هو بالعين أو بالذمة ؟ إن قلنا بالعين فكالمؤن ، وإلا فهو استرداد . وقيل : إن قلنا بالعين فكالمؤن ، وإلا ففيه الوجهان . واستبعد
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين هذا البناء . أما إذا قلنا : يملك حصته بالظهور ،
فعلى المالك زكاة رأس المال ونصيبه من الربح . وهل على العامل زكاة نصيبه ؟ فيه طرق :
أحدها أنه على قولين كالمغصوب ؛ لأنه غير متمكن من كمال التصرف ، والثاني : القطع بالوجوب لتمكنه من التوصل بالمقاسمة ، والثالث : القطع بالمنع لعدم استقرار ملكه ؛ لاحتمال الخسران . والمذهب : الإيجاب ، سواء أثبتنا الخلاف أم لا ، فعلى هذا فابتداء حول حصته من حين الظهور على الأصح المنصوص . والثاني : من حين تقوم المال على المالك لأخذ الزكاة ، والثالث : من حين القسمة ؛ لأنه وقت الاستقرار ، والرابع : حوله حول رأس المال . ثم إذا تم حوله ، ونصيبه لا يبلغ نصابا ، لكن مجموع المال يبلغ نصابا ، فإن أثبتنا الخلطة في النقدين فعليه الزكاة وإلا فلا ، إلا أن يكون له من جنسه ما يتم به النصاب ، وهذا إذا لم نجعل ابتداء الحول من المقاسمة . فإن جعلناه منها سقط النظر إلى الخلطة . وإذا أوجبنا الزكاة على العامل لم يلزمه إخراجها قبل القسمة على المذهب ، فإذا اقتسما ، زكى ما مضى .
وحكي وجه أنه يلزمه الإخراج في الحال ؛ لتمكنه من القسمة . ثم إن أخرج الزكاة من موضع آخر ، فذاك ، فإن أراد إخراجها من مال القراض ، فهل يستبد به ، أم للمالك منعه ؟ وجهان ، أصحهما : يستبد ، قال
الروياني : وهو المنصوص . والثاني : لا يستبد ، وللمالك منعه . أما إذا كان المالك من أهل وجوب الزكاة دون العامل وقلنا : الجميع له ما لم يقسم ، فعليه زكاة الجميع . وإن قلنا بالقول الآخر ، فعليه زكاة رأس المال ونصيب من الربح ، ولا يكمل نصيب المالك إذا لم يبلغ نصابا بنصيب العامل ؛ لأنه ليس من أهل الزكاة . أما إذا كان العامل من أهل الزكاة دون المالك ،
[ ص: 282 ] فإن قلنا : الجميع للمالك قبل القسمة ، فلا زكاة . وإن قلنا : للعامل حصة من الربح ، ففي وجوب الزكاة عليه الخلاف السابق . فإذا أوجبناه ، فذاك إذا بلغت حصته نصابا ، أو كان له ما يتم به النصاب . ولا تثبت الخلطة ، ولا يجيء في اعتبار الحول هنا إلا الوجه الأول والثالث ، وليس له إخراج الزكاة من عين المال بلا خلاف ؛ لأن المالك لم يدخل في العقد على أن يخرج من المال زكاة ، هكذا ذكروه ، ولمانع أن يمنع ذلك ؛ لأنه عامل من عليه الزكاة .