صفحة جزء
فصل

الواجب في الفطرة صاع من أي جنس أخرجه ، وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، وهي ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث درهم .

قلت : هذا الذي قاله على مذهب من يقول : رطل بغداد مائة وثلاثون درهما ، ومنهم من يقول : مائة وثمانية وعشرون درهما ، ومنهم من يقول : مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وهو الأرجح ، وبه الفتوى . فعلى هذا الصاع : ستمائة درهم وخمسة وثمانون وخمسة أسباع درهم ، والله أعلم .

قال ابن الصباغ وغيره : الأصل فيه الكيل ، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا .

قلت : قد يستشكل ضبط الصاع بالأرطال ، فإن الصاع المخرج به في زمن [ ص: 302 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مكيال معروف ، ويختلف قدره وزنا باختلاف جنس ما يخرج ، كالذرة والحمص وغيرهما ، وفيه كلام طويل ، فمن أراد تحقيقه راجعه في " شرح المهذب " ومختصره : أن الصواب ما قاله الإمام أبو الفرج الدارمي من أصحابنا ، أن الاعتماد في ذلك على الكيل ، دون الوزن ، وأن الواجب أن يخرج بصاع معاير بالصاع الذي كان يخرج به في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك الصاع موجود ، ومن لم يجده ، وجب عليه إخراج قدر يتيقن أنه لا ينقص عنه . وعلى هذا ، فالتقدير بخمسة أرطال وثلث تقريبا . وقال جماعة من العلماء : الصاع : أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين . والله أعلم .

فرع

كل ما يجب فيه العشر ، فهو صالح لإخراج الفطرة . وحكي قول قديم : أنه لا يجزئ فيها الحمص ، والعدس .

والمذهب المشهور : هو الأول . وفى الأقط ، طريقان . أحدهما : القطع بجوازه ، والثاني : على قولين . أظهرهما : جوازه .

قلت : ينبغي أن يقطع بجوازه لصحة الحديث فيه من غير معارض . والله أعلم .

فإن جوزناه ، فالأصح : أن اللبن والجبن في معناه ، والثاني : لا يجزئان .

والوجهان في إخراج من قوته الأقط ، واللبن ، والجبن . واتفقوا على أن إخراج المخيض والمصل والسمن ، لا يجزئ ، وكذلك الجبن المنزوع الزبد .

[ ص: 303 ] فرع

لا يجزئ المسوس والمعيب . وإذا جوزنا الأقط ، لم يجز إخراج المملح الذي أفسد كثرة الملح جوهره . فإن كان الملح ظاهرا عليه ، فالملح غير محسوب ، والشرط أن يخرج قدرا يكون محض الأقط منه صاعا .

ويجزئ الحب القديم وإن قلت قيمته إذا لم يتغير طعمه ولونه . ولا يجزئ الدقيق ولا السويق ، ولا الخبز ، كما لا تجزئ القيمة .

وقال الأنماطي : يجزئ الدقيق . قال ابن عبدان : مقتضى قوله ، إجزاء السويق والخبز ، قال : وهذا هو الصحيح ، لأن المقصود إشباع المساكين في هذا اليوم .

والمعروف في المذهب : ما قدمناه . وأما الأقوات النادرة التي لا زكاة فيها ، كالفث والحنظل ، فلا تجزئ قطعا ، نص عليه ، وكذا لو اقتاتوا ثمرة لا عشر فيها .

فرع

في الواجب من الأجناس المجزئة ، ثلاثة أوجه . أصحها عند الجمهور : غالب قوت البلد ، والثاني : قوت نفسه ، وصححه ابن عبدان ، والثالث : يتخير في الأجناس ، وهو الأصح عند القاضي أبي الطيب .

ثم إذا أوجبنا قوت نفسه أو البلد ، فعدل إلى ما دونه ، لم يجز ، وإن عدل إلى أعلى منه ، جاز بالاتفاق . وفيما يعتد به الأعلى والأدنى ، وجهان . أصحهما : الاعتبار بزيادة صلاحية الاقتيات ، والثاني : بالقيمة .

فعلى هذا يختلف باختلاف الأوقات والبلاد ، إلا أن تعتبر زيادة القيمة في الأكثر . وعلى الأول ، البر خير من التمر والأرز ، ورجح في " التهذيب " الشعير على التمر ، وعكسه الشيخ أبو محمد وله في الزبيب والشعير ، وفي التمر والزبيب ، تردد .

قال الإمام : والأشبه تقديم التمر على الزبيب . وإذا قلنا : المعتبر قوت نفسه ، وكان يليق به البر وهو يقتات الشعير بخلا ، لزمه البر ، ولو كان يليق به الشعير ، فكان يتنعم ويقتات البر ، فالأصح : أنه يجزئه الشعير ، والثاني : يتعين البر .

[ ص: 304 ] فرع

قد يخرج الواحد الفطرة عن شخصين من جنسين ، ويجزئه أن يخرج عن أحد عبديه ، أو قريبيه من قوت البلد إن اعتبرناه ، أو قوته إن اعتبرناه ، وعن الآخر جنس أعلى منه . وكذا لو ملك نصفين من عبدين ، فأخرج نصف صاع من المعتبر عن نصف أحدهما ، ونصفا عن الآخر من أعلى منه .

وإذا خيرنا بين الأجناس ، فله إخراجهما من جنسين بكل حال ، ولا يجوز عن شخص واحد فطرة من جنسين وإن كان أحدهما أعلى من الواجب . هذا هو المعروف ، ورأيت لبعض المتأخرين تجويزه .

ولو ملك رجلان عبدا ، فإن خيرنا بين الأجناس ، أخرجا ما شاءا بشرط اتحاد الجنس ، وإن أوجبنا غالب قوت البلد ، وكانا هما والعبد في بلد ، أخرجا عنه من قوت البلد ، فإن كان العبد في بلد آخر ، بني على أن الفطرة تجب على المالك ابتداء ، أم يتحمل ؟ فإن كان السيدان في بلدين مختلفي القوت ، واعتبرنا قوت الشخص بنفسه ، واختلف قوتهما ، فأوجه .

أصحها : يخرج كل واحد نصف صاع من قوت بلده أو نفسه ، لأنهما إذا أخرجا هكذا ، فقد أخرج كل شخص [ كل ] واجبه من جنس ، كثلاثة محرمين قتلوا ظبية ، فذبح أحدهم ثلث شاة ، وأطعم آخر بقيمة ثلث شاة ، وصام الثالث عدل ذلك ، أجزأهم ، والثاني : يخرجان من أدنى القوتين ، والثالث : من أعلاهما ، والرابع : من قوت بلد العبد .

ولو كان الأب في نفقة ولدين ، فالقول في إخراجهما الفطرة عنه كالسيدين ، وكذا من نصفه حر ، ونصفه مملوك ، إذا أوجبنا نصف الفطرة كما سبق ، فالأصح : يخرجان من جنسين ، والثاني : من جنس .

[ ص: 305 ] فرع

إذا أوجبنا غالب قوت البلد وكانوا يقتاتون أجناسا لا غالب فيها ، أخرج ما شاء ، والأفضل أن يخرج من الأعلى .

واعلم أن الغزالي قال في " الوسيط " : المعتبر غالب قوت البلد وقت وجوب الفطرة ، لا في جميع السنة . وقال في " الوجيز " : غالب قوت البلد يوم الفطر ، وهذا التقييد لم أظفر به في كلام غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية