الصنف السادس :
الغارمون ، والديون ثلاثة أضرب .
الأول :
دين لزمه لمصلحة نفسه ، فيعطى من الزكاة ما يقضي به بشروط .
أحدها : أن
يكون به حاجة إلى قضائه منها ، فلو وجد ما يقضيه من نقد أو عرض ، فقولان .
القديم : يعطى للآية ، وكالغارم لذات البين . والأظهر : المنع ، كالمكاتب وابن السبيل . فعلى هذا ، لو وجد ما يقضي به بعض الدين ، أعطي البقية فقط ، فلو لم يملك شيئا ، ولكن يقدر على قضائه بالاكتساب ، فوجهان . أحدهما : لا يعطى كالفقير ، وأصحهما : يعطى ، لأنه لا يقدر على قضائه إلا بعد زمن .
والفقير يحصل حاجته في الحال ، ويجري الوجهان في المكاتب إذا لم يملك شيئا ، لكنه كسوب . وأما معنى الحاجة المذكورة ، فعبارة الأكثرين ، تقتضي كونه فقيرا لا يملك شيئا ، وربما صرحوا به .
وفي بعض شروح المفتاح ، أنه لا يعتبر المسكن ، والملبس ، والفراش ، والآنية . وكذا الخادم ، والمركوب إن اقتضاهما حاله ، بل يقضى دينه وإن ملكها .
وقال بعض المتأخرين : لا يعتبر الفقر والمسكنة هنا ، بل لو ملك قدر كفايته ، وكان لو قضى دينه لنقص ماله عن كفايته ، ترك معه ما يكفيه ، وأعطي ما يقضي به الباقي ، وهذا أقرب .
الشرط الثاني : أن يكون
دينه لنفقة في طاعة أو مباح ، فإن كان في معصية ، كالخمر ، والإسراف في النفقة ، لم يعط قبل التوبة على الصحيح ، فإن تاب ، ففي إعطائه وجهان . أصحهما في " الشامل " و " التهذيب " : لا يعطى ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة .
وأصحهما عند
أبي خلف السلمي nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني : يعطى ، وقطع به في " الإفصاح " وهو قول
أبي إسحاق .
قلت : جزم
الإمام الرافعي في " المحرر " بالوجه الأول . والله أعلم .
[ ص: 318 ] الأصح : الثاني . وممن صححه غير المذكورين ،
المحاملي في " المقنع " وصاحب " التنبيه " ، وقطع به
الجرجاني في " التحرير " ولم يتعرض الأصحاب هنا لاستبراء حاله ، ومضي مدة بعد توبته يظهر فيها صلاح الحال ، إلا أن
الروياني قال : يعطى على أحد الوجهين إذا غلب على الظن صدقه في توبته ، فيمكن أن يحمل عليه .
الشرط الثالث : أن يكون حالا ، فإن كان مؤجلا ، ففي إعطائه أوجه .
ثالثها : إن كان الأجل تلك السنة ، أعطي ، وإلا ، فلا يعطى من صدقات تلك السنة .
قلت : الأصح : لا يعطى ، وبه قطع في " البيان " . والله أعلم .
الضرب الثاني :
ما استدانه لإصلاح ذات البين ، مثل أن يخاف فتنة بين قبيلتين أو شخصين ، فيستدين طلبا للإصلاح وإسكان الثائرة ، فينظر ، إن كان ذلك في دم تنازع فيه قبيلتان ولم يظهر القاتل ، فتحمل الدية ، قضي دينه من سهم الغارمين إن كان فقيرا أو غنيا بعقار قطعا . وكذا إن كان غنيا بنقد على الصحيح .
والغني بالعروض ، كالغني بالعقار على المذهب .
وقيل : كالنقد ، ولو تحمل قيمة مال متلف ، أعطي مع الغنى على الأصح .
الضرب الثالث : ما التزمه بضمان ، فله أربعة أحوال .
أحدها : أن يكون الضامن والمضمون عنه معسرين ، فيعطى الضامن ما يقضي به الدين .
قال
المتولي : ويجوز صرفه إلى المضمون عنه ، وهو أولى ، لأن الضامن فرعه ، ولأن الضامن إذا أخذ وقضى الدين بالمأخوذ ، ثم رجع على المضمون عنه ، احتاج الإمام أن يعطيه ثانيا ، وهذا الذي قاله ممنوع ، بل إذا أعطيناه لا يرجع ، إنما يرجع الضامن إذا غرم من عنده .
الحال الثاني : أن يكونا موسرين ، فلا يعطى ، لأنه إذا غرم رجع على الأصيل ، وإن ضمن بغير إذنه ، فوجهان .
[ ص: 319 ] الحال الثالث : إذا كان المضمون عنه موسرا ، والضامن معسرا ، فإن ضمن بإذنه ، لم يعط ، لأنه يرجع ، وإلا أعطي في الأصح .
الحال الرابع : أن يكون المضمون عنه معسرا ، والضامن موسرا ، فيجوز أن يعطى المضمون عنه ، وفي الضامن وجهان . أصحهما : لا يعطى .
فرع
إنما
يعطى الغارم عند بقاء الدين ، فأما إذا أداه من ماله ، فلا يعطى ، لأنه لم يبق غارما . وكذا لو بذل ماله ابتداء فيه ، لم يعط فيه ، لأنه ليس غارما .
فرع
قال
أبو الفرج السرخسي : ما استدانه لعمارة المسجد وقرى الضيف ، حكمه حكم ما استدانه لمصلحة نفسه .
وحكى
الروياني عن بعض الأصحاب : أنه يعطى هذا مع الغنى بالعقار ، ولا يعطى مع الغنى بالنقد .
قال
الروياني : هذا هو الاختيار .
فرع
يجوز الدفع إلى الغريم ، بغير إذن صاحب الدين ، ولا يجوز إلى صاحب الدين بغير إذن المديون ، لكن يسقط من الدين بقيمة قدر المصروف كما سبق في المكاتب .
ويجوز الدفع إليه بإذن المديون ، وهو أولى ، إلا إذا لم يكن وافيا وأراد المديون أن يتجر فيه .
[ ص: 320 ] فرع
لو أقام بينة أنه غرم وأخذ الزكاة ، ثم بان كذب الشهود ، ففي سقوط الفرض ، القولان ، فيمن دفعها إلى من ظنه فقيرا ، فبان غنيا ، قاله إمام الحرمين .
ولو دفع إليه ، وشرط أن يقضيه ذلك عن دينه ، لم يجزئه قطعا ، ولا يصح قضاء الدين بها .
قلت : ولو نويا ذلك ولم يشرطاه ، جاز . والله أعلم .
قال في " التهذيب " : ولو قال المديون : ادفع إلي زكاتك حتى أقضيك دينك ، ففعل ، أجزأه عن الزكاة ، ولا يلزم المديون دفعه إليه عن دينه .
ولو قال صاحب الدين : اقض ما عليك ، لأرده عليك من زكاتي ، ففعل ، صح القضاء ، ولا يلزمه رده .
قال
القفال : ولو كان له عند الفقير حنطة وديعة ، فقال : كل لنفسك كذا ، ونواه زكاة ، ففي إجزائه عن الزكاة وجهان . ووجه المنع أن المالك لم يكله . فلو كان وكله بشراء ذلك القدر ، فاشتراه فقبضه ، وقال الموكل : خذه لنفسك ، ونواه زكاة ، أجزأه ، لأنه لا يحتاج إلى كيله .
قلت : ذكر صاحب " البيان " : أنه
لو مات رجل عليه دين ولا وفاء له ، ففي قضائه من سهم الغارمين وجهان ، ولم يبين الأصح .
والأصح الأشهر : لا يقضى منه ،
ولو كان له عليه دين ، فقال : جعلته عن زكاتي ، لا يجزئه على الأصح حتى يقبضه ، ثم يرده إليه إن شاء ، وعلى الثاني : يجزئه كما لو كان وديعة ، حكاه في " البيان " ولو ضمن دية مقتول عن قاتل لا يعرف ، أعطي مع الفقر والغنى
[ ص: 321 ] كما سبق . وإن ضمن عن قاتل معروف ، لم يعط مع الغنى ، كذا حكاه في البيان عن
الصيمري ، وفي هذا التفصيل نظر . والله أعلم .