فصل
لا يصح الصوم إلا بالنية ، ومحلها القلب . ولا يشترط النطق بلا خلاف . وتجب النية لكل يوم . فلو
نوى صوم الشهر كله ، فهل يصح صوم اليوم الأول بهذه النية ؟ المذهب : أنه يصح ، وبه قطع
ابن عبدان ، وتردد فيه الشيخ
أبو محمد .
ويجب
تعيين النية في صوم الفرض ، سواء فيه صوم رمضان ، والنذر ، والكفارة ، وغيرها . ولنا وجه حكاه صاحب التتمة عن
الحليمي : أنه يصح
صوم رمضان بنية مطلقة ، وهو شاذ .
وكمال النية في رمضان : أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى . فأما الصوم وكونه عن رمضان ، فلا بد منهما بلا خلاف ، إلا وجه
الحليمي . وأما الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى ، ففيها الخلاف المذكور في الصلاة .
وأما رمضان هذه السنة ، فالمذهب : أنه لا يشترط .
وحكى الإمام في " اشتراطه " وجها وزيفه ، وحكى صاحب " التهذيب " وجهين في
[ ص: 351 ] أنه يجب أن ينوي من فرض هذا الشهر ، أم يكفي فرض رمضان ؟ والصواب ما تقدم . فإنه لو وقع التعرض لليوم ، لم يضر الخطأ في أوصافه . فلو
نوى ليلة الثلاثاء صوم الغد وهو يعتقد أنه يوم الاثنين ، أو
نوى رمضان السنة التي هو فيها وهو يعتقدها سنة ثلاث ، وكانت سنة أربع ، صح صومه ، بخلاف ما لو
نوى صوم يوم الثلاثاء ليلة الاثنين ، أو رمضان سنة ثلاث في سنة أربع ، فإنه لا يصح ، لأنه لم يعين الوقت .
ثم إن لفظ الغد ، أشهر في كلام الأصحاب في تفسير التعيين ، وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين ، وإنما وقع ذلك من نظرهم إلى التبييت .
ولا يخفى مما ذكرناه قياس التعيين في القضاء والكفارة . وأما صوم التطوع ، فيصح بنية مطلق الصوم ، كما في الصلاة .
فرع
قال
القاضي أبو المكارم في " العدة " : لو
قال : أتسحر لأقوى على الصوم ، لم يكف هذا في النية . ونقل بعضهم عن " نوادر الأحكام "
لأبي العباس الروياني : أنه لو
قال : أتسحر للصوم ، أو شرب لدفع العطش نهارا ، أو امتنع من الأكل والشرب والجماع مخافة الفجر . كان ذلك نية للصوم .
وهذا هو الحق إن خطر بباله الصوم بالصفات التي يشترط التعرض لها ، لأنه إذا تسحر ليصوم صوم كذا ، فقد قصده .
فرع
تبييت النية شرط في صوم الفرض ، فلو
نوى قبل غروب الشمس صوم الغد ، لم يصح . ولو
نوى مع طلوع الفجر لم يصح على الأصح . ولا تختص النية بالنصف
[ ص: 352 ] الأخير من الليل على الصحيح ، ولا تبطل بالأكل والجماع بعدها على المذهب . وحكي عن
أبي إسحاق بطلانها ، ووجوب تجديدها . وأنكر
ابن الصباغ نسبة هذا إلى
أبي إسحاق ، وقال الإمام : رجع
أبو إسحاق عن هذا عام حج ، وأشهد على نفسه . فإن ثبت أحد هذين ، فلا خلاف في المسألة .
ولو نوى ونام وانتبه والليل باق ، لم يجب
تجديد النية على الصحيح .
قال الإمام : وفي كلام العراقيين تردد في كون الغفلة ، كالنوم ، وكل ذلك مطرح .
فرع
يصح
صوم النفل بنية قبل الزوال . وقال
المزني وأبو يحيى البلخي : لا يصح إلا من الليل ، وهل يصح بعد الزوال ؟ قولان .
أظهرهما وهو المنصوص في معظم كتبه : لا يصح . وفي حرملة : أنه يصح .
قلت : وعلى نصه في حرملة : يصح في جميع ساعات النهار . والله أعلم .
ثم إذا
نوى قبل الزوال أو بعده ، وصححناه ، فهل هو صائم من أول النهار حتى ينال ثواب جميعه ، أم من وقت النية ؟ وجهان .
أصحهما عند الأكثرين : أنه صائم من أول النهار . كما إذا أدرك الإمام في الركوع ، يكون مدركا لثواب جميع الركعة .
فإذا قلنا بهذا ، اشترط جميع شروط الصوم من أول النهار ، وإذا قلنا : يثاب من حين النية ، ففي اشتراط خلو الأول عن الأكل والجماع وجهان .
الصحيح : الاشتراط ، والثاني : لا ، وينسب إلى
ابن سريج ،
وأبي زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935ومحمد بن جرير الطبري .
وهل يشترط خلو أوله عن الكفر والحيض والجنون ، أم يصح صوم من أسلم ، أو أفاق ، أو طهرت من الحيض ضحوة ؟ وجهان .
أصحهما : الاشتراط .
[ ص: 353 ] فرع
ينبغي أن تكون النية جازمة ، فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان أن يصوم غدا إن كان من رمضان ، فله حالان .
الأول : أن لا يعتقده من رمضان ، فينظر ، إن
ردد نيته فقال : أصوم غدا عن رمضان إن كان منه ، وإلا ، فأنا مفطر ، أو فأنا متطوع ، لم يقع صومه عن رمضان إذا بان منه ، لأنه صام شاكا .
وقال
المزني : يقع عن رمضان . ولو
نوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان ، وإلا فهو مفطر ، أجزأه ، لأن الأصل بقاء رمضان . ولو
قال : أصوم غدا من رمضان ، أو تطوعا ، أو أصوم ، أو أفطر ، لم يصح صومه لا في الأول ولا في الآخر .
أما إذا لم يردد نيته ، بل جزم بالصوم عن رمضان ، فلا يصح صومه ، لأنه ذا لم يعتقده من رمضان ، لم يتأت منه الجزم بصوم رمضان حقيقة ، وإنما يحصل حديث نفس لا اعتبار به . وعن صاحب " التقريب " حكاية وجه : أنه يصح .
الحال الثاني : أن يعتقد كونه من رمضان ، فإن لم يستند اعتقاده إلى ما يثير ظنا ، فلا اعتبار به ، وإن استند إليه ، بأن اعتمد قول من يثق به ، من حر ، أو عبد ، أو امرأة ، أو صبيين ذوي رشد ، ونوى صومه عن رمضان ، أجزأه إذا بان من رمضان .
فإن قال في نيته والحالة هذه : أصوم عن رمضان ، فإن لم يكن من رمضان ، فهو تطوع ، فظاهر النص : أنه لا يصح صومه إذا بان من رمضان ، للتردد .
وفيه وجه : أنه يصح ، لاستناده إلى أصل . ورأى الإمام طرد هذا الخلاف فيما إذا جزم . ويدخل في قسم استناد الاعتقاد إلى ما يثير ظنا بناء الأمر على الحساب حيث جوزناه على التفصيل السابق .
[ ص: 354 ] ومنها : إذا حكم الحاكم بشهادة عدلين ، أو واحد ، إذا جوزناه ، وجب الصوم ، ولا يضر ما قد تبقى من الارتياب .
ومنها :
المحبوس إذا اشتبه عليه رمضان ، فاجتهد ، صام شهرا بالاجتهاد .
ولا يكفيه صوم شهر بلا اجتهاد وإن وافق رمضان . ثم إذا اجتهد فصام شهرا ، فإن وافق رمضان ، فذاك ، وإن تأخر عنه ، أجزأه قطعا ، ويكون قضاء على الأصح ، وعلى الثاني : أداء .
ويتفرع على الوجهين ما إذا كان ذلك الشهر ناقصا ، ورمضان تاما . إن قلنا : قضاء ، لزمه يوم آخر ، وإن قلنا : أداء ، فلا ، كما لو كان رمضان ناقصا .
وإن كان الأمر بالعكس ، فإن قلنا : قضاء ، فله إفطار اليوم الآخر . وإن قلنا : أداء ، فلا ، وإن وافق صومه شوالا ، حصل منه تسعة وعشرون إن كمل ، أو ثمانية وعشرون إن نقص ، فإن جعلناه قضاء ، وكان رمضان ناقصا ، فلا شيء عليه على التقدير الأول ، ويقضي يوما على التقدير الثاني .
وإن كان رمضان كاملا ، قضى يوما على التقدير الأول ، ويومين على التقدير الثاني . وإن جعلناه أداء ، فعليه قضاء يوم بكل حال .
وإن وافق ذا الحجة ، حصل منه ستة وعشرون يوما إن كمل ، وخمسة وعشرون إن نقص . فإن جعلناه قضاء ، وكان رمضان ناقصا ، قضى ثلاثة أيام على التقدير الأول ، وأربعة على التقدير الثاني .
وإن كان كاملا ، قضى أربعة على التقدير الأول ، وخمسة على التقدير الثاني . وإن جعلناه أداء ، قضى أربعة بكل حال . وهذا مبني على أن صوم أيام التشريق لا يصح بحال ، فإن صححنا صومها لغير المتمتع ، فذو الحجة كشوال .
أما إذا
اجتهد فوافق صيامه ما قبل رمضان ، فينظر ، إن أدرك رمضان بعد بيان الحال ، لزمه صومه بلا خلاف . وإن لم يبن الحال إلا بعد مضي رمضان ، فطريقان .
أشهرهما : على قولين . الجديد الأظهر : وجوب القضاء ، والقديم : لا قضاء ، والطريق الثاني : القطع بوجوب القضاء . فإن بان الحال في بعض رمضان ، فطريقان .
أحدهما : القطع بوجوب قضاء ما مضى . وأصحهما : أن في إجزائه الخلاف فيما إذا بان بعد مضي جميع رمضان .
[ ص: 355 ] فرع
إذا
نوت الحائض صوم الغد قبل انقطاع دمها ، ثم انقطع في الليل ، فإن كانت مبتدأة يتم لها بالليل أكثر الحيض ، أو معتادة عادتها أكثر الحيض ، وهو يتم بالليل ، صح صومها . وإن كانت عادتها دون أكثره ، ويتم بالليل ، فوجهان . أصحهما : يصح ، لأن الظاهر استمرار عادتها . وإن لم يكن لها عادة ، ولا يتم أكثر الحيض في الليل ، أو كان لها عادات مختلفة ، لم يصح .
فرع
إذا
نوى الانتقال من صوم إلى صوم ، لم ينتقل إليه ، وهل يبطل صومه ، أم يبقى نفلا ؟ وجهان . وكذا لو رفض نية الفرض عن الصوم الذي هو فيه .
قلت : الأصح : بقاؤه على ما كان .
واعلم أن انقلابه نفلا على أحد الوجهين ، إنما يصح في غير رمضان ، وإلا ، فرمضان لا يقبل النفل عندنا ممن هو من أهل الفرض بحال . والله أعلم .
فرع
لو
قال : إذا جاء فلان ، خرجت من صومي ، فهل يخرج عند مجيئه ؟ وجهان . فإن قلنا : يخرج ، فهل يخرج في الحال ؟ وجهان . والمذهب : لا يبطل في الحالين ، كما سبق بيانه في صفة الصلاة .