فصل
في
الفدية .
وهي مد من الطعام ، لكل يوم من أيام رمضان . وجنسه جنس زكاة الفطر . فيعتبر غالب قوت البلد على الأصح .
ولا يجزئ الدقيق والسويق ، كما سبق .
ومصرفها ، الفقراء أو المساكين . وكل مد منها ككفارة تامة . فيجوز
[ ص: 381 ] صرف عدد منها إلى مسكين واحد ، بخلاف أمداد الكفارة ، فإنه يجب صرف كل مد منها إلى مسكين ، وتجب الفدية بثلاثة طرق .
الأول : فوات نفس الصوم ، فمن
فاته صوم يوم من رمضان ومات قبل قضائه فله حالان . أحدهما : أن يموت بعد تمكنه من القضاء ، سواء ترك الأداء بعذر أم بغيره ، فلا بد من تداركه بعد موته . وفي صفة التدارك قولان .
الجديد : أنه يطعم من تركته عن كل يوم مد . والقديم : أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه ، ولا يلزمه . فعلى القديم : لو
أمر الولي أجنبيا فصام عنه بأجرة أو بغيرها ، جاز كالحج . ولو استقل به الأجنبي ، لم يجزه على الأصح .
وهل المعتبر على القديم الولاية ، أم مطلق القرابة ، أم تشترط العصوبة ، أم الإرث ؟ توقف فيه الإمام وقال : لا نقل فيه عندي .
قال
الرافعي : وإذا فحصت عن نظائره ، وجدت الأشبه اعتبار الإرث .
قلت : المختار ، أن المراد مطلق القرابة . وفي " صحيح
مسلم " : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة تصوم عن أمها وهذا يبطل احتمال العصوبة . والله أعلم .
ولو
مات وعليه صلاة أو اعتكاف ، لم يقض عنه وليه ، ولا يسقط عنه بالفدية . ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - قال في الاعتكاف : يعتكف عنه وليه .
وفي رواية : يطعم عنه . قال صاحب " التهذيب " : ولا يبعد تخريج هذا في الصلاة ، فيطعم عن كل صلاة مد . وإذا قلنا بالإطعام في الاعتكاف ، فالقدر المقابل بالمد اعتكاف يوم بليلته .
هكذا ذكره الإمام عن رواية شيخه قال : وهو مشكل ، فإن اعتكاف لحظة ، عبادة تامة .
قلت : لم يصحح الإمام
الرافعي واحدا من الجديد والقديم في صوم الولي ، وكأنه
[ ص: 382 ] تركه لاضطراب الأصحاب فيه ، فإن المشهور في المذهب : تصحيح الجديد . وذهب جماعة من محققي أصحابنا ، إلى تصحيح القديم . وهذا هو الصواب . بل ينبغي أن يجزم بالقديم ، فإن الأحاديث الصحيحة ثبتت فيه .
وليس للجديد حجة من السنة . والحديث الوارد بالإطعام ، ضعيف ، فيتعين القول بالقديم . ثم من جوز الصيام ، جوز الإطعام . والله أعلم .
وحكم صوم الكفارة والنذر ، حكم صوم رمضان .
الحال الثاني : أن يكون موته قبل التمكن من القضاء ، بأن لا يزال مريضا ، أو مسافرا من أول شوال حتى يموت ، فلا شيء في تركته ولا على ورثته .
قلت : قال أصحابنا : ولا يصح الصيام من أحد في حياته بلا خلاف ، سواء كان عاجزا أو غيره . والله أعلم .
فرع
الشيخ الهرم الذي لا يطيق الصوم ، أو تلحقه به مشقة شديدة ، لا صوم عليه . وفي وجوب الفدية عليه ، قولان . أظهرهما : الوجوب .
ويجري القولان في المريض الذي لا يرجى برؤه . ولو نذر في خلال العجز صوما ، ففي انعقاده وجهان .
قلت : أصحهما : لا ينعقد . والله أعلم .
وإذا أوجبنا الفدية على الشيخ ، فكان معسرا ، هل تلزمه إذا قدر ؟ قولان ، كالكفارة . ولو كان رقيقا فعتق ، ففيه خلاف مرتب على المعسر ، والأولى : بأن لا تجب ، لأنه لم يكن أهلا .
ولو
قدر الشيخ على الصوم بعدما أفطر ، فهل يلزمه الصوم قضاء ؟ نقل صاحب " التهذيب " : أنه لا يلزمه ، لأنه لم يكن
[ ص: 383 ] مخاطبا بالصوم ، بل كان مخاطبا بالفدية ، بخلاف المعضوب إذا حج عنه غيره ، ثم قدر ، يلزمه الحج في قول ، لأنه كان مخاطبا به . ثم قال صاحب " التهذيب " من عند نفسه : إذا قدر قبل أن يفدي ، فعليه أن يصوم ، وإن قدر بعد الفدية ، فيحتمل أن يكون كالحج ، لأنه كان مخاطبا بالفدية على توهم أن عذره غير زائل ، وقد بان خلافه .
واعلم أن صاحب " التتمة " في آخرين نقلوا خلافا في أن الشيخ يتوجه عليه الخطاب بالصوم ، ثم ينتقل إلى الفدية بالعجز ، أم يخاطب بالفدية ابتداء ؟ وبنوا عليه الوجهين في انعقاد نذره .