فصل
من
نذر اعتكاف مدة وأطلق ، نظر ، إن شرط التتابع ، لزمه كما لو شرط التتابع في الصوم ، وإن لم يشرط ، بل قال : علي شهر أو عشرة أيام ، فلا يلزمه التتابع على المذهب ، لكن يستحب .
وخرج
ابن سريج قولا : أنه يلزمه ، وهو شاذ . فعلى المذهب : لو نوى التتابع بقلبه ، ففي لزومه وجهان . أصحهما : لا يلزم .
ولو شرط تفريقه ، فهل يجزئه المتتابع ؟ وجهان . أصحهما : يجزئه ، لأنه أفضل .
ولو
نذر اعتكاف يوم ، فهل يجوز تلفيق ساعاته من أيام ؟ وجهان .
أصحهما وبه قال الأكثرون : لا ، لأن المفهوم من اليوم ، المتصل . وقد حكي عن
الخليل ، أن اليوم : اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس . ولو دخل المسجد في أثناء
[ ص: 400 ] النهار وخرج بعد الغروب ، ثم عاد قبل الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت ، فهو على هذين الوجهين .
فلو لم يخرج بالليل ، فقال الأكثرون : يجزئه ، سواء جوزنا التفريق أو منعناه ، لحصول التواصل .
قال
أبو إسحاق تفريعا على الأصح : لا يجزئه ، لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات ، والليلة ليست من اليوم ، وهذا هو الوجه .
ولو
قال في أثناء النهار : لله علي أن أعتكف يوما من هذا الوقت ، فقد اتفق الأصحاب على أنه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ، ولا يجوز الخروج بالليل ليتحقق التتابع .
وفيه نظر ، فإن الملتزم يوم وليست الليلة منه ، فلا يمنع التتابع . والقياس : أن يجعل فائدة التقييد في هذه الصورة ، القطع بجواز التفريق لا غير .
ثم حكى الإمام عن الأصحاب تفريعا على جواز تفريق الساعات : أنه يكفيه ساعات أقصر الأيام ، لأنه لو اعتكف أقصر الأيام ، جاز .
ثم قال : إن فرق على ساعات أقصر الأيام في سنين ، فالأمر كذلك . وإن اعتكف في أيام متباينة في الطول والقصر ، فينبغي أن ينسب اعتكافه في كل يوم بالجزئية إليه ، إن كان ثلثا ، فقد خرج عن ثلث ما عليه .
وعلى هذا القياس ، نظرا إلى اليوم الذي يقع فيه الاعتكاف . ولهذا ، لو اعتكف من يوم طويل بقدر ساعات أقصر الأيام ، لم يكفه ، وهذا استدراك حسن ، وقد أجاب عنه بما لا يشفي .
أما إذا عين المدة المنذورة ، بأن
نذر اعتكاف عشرة أيام من الآن ، أو هذه العشرة ، أو شهر رمضان ، أو هذا الشهر ، فعليه الوفاء .
فلو أفسد آخره بخروج أو غيره ، لم يجب الاستئناف . ولو فاته الجميع ، لم يجب التتابع في القضاء ، كقضاء رمضان .
هذا إذا لم يتعرض للتتابع ، فلو صرح به فقال : أعتكف هذه العشرة متتابعة ، فهل يجب الاستئناف لفساد آخره ، أو التتابع في قضائه ؟ وجهان .
أصحهما : يجبان ، لتصريحه ، والثاني : لا ، لأن التتابع يقع ضرورة ، فلا أثر لتصريحه .