فرع
فيما يقطع التتابع في الاعتكاف المتتابع ، ويخرج إلى الاستئناف .
وهو أمران .
أحدهما : فقد بعض شروط الاعتكاف ، وهي الأمور التي لا بد منها ، كالكف عن
الجماع ، ومقدماته في قول . ويستثنى عن هذا ، عروض الحيض والاحتلام ، فإنهما لا يقطعانه .
الأمر الثاني :
الخروج بكل البدن عن كل المسجد بلا عذر ، فهذه ثلاثة قيود ، احترزنا بالأول عما إذا
أخرج رأسه ، أو يده ، أو إحدى رجليه ، أو كلتيهما وهو قاعد مادهما ، فلا يبطل اعتكافه . فإن اعتمد عليهما ، فهو خارج .
واحترزنا بالثاني ، عمن صعد المنارة للأذان ، ولها حالان .
أحدهما : أن يكون بابها في المسجد أو رحبته المتصلة به ، فلا يضر صعودها للأذان أو غيره كسطح المسجد ، وسواء كانت في نفس المسجد والرحبة ، أو خارجة عن سمت البناء وتربيعه . وأبدى الإمام احتمالا في الخارجة عن سمته
[ ص: 405 ] قال : لأنها حينئذ لا تعد من المسجد ، ولا يصح الاعتكاف فيها . وكلام الأصحاب ، ينازعه فيما وجه به .
الحال الثاني : أن لا يكون بابها في المسجد ، ولا في رحبته المتصلة به ، فلا يجوز الخروج إليها لغير الأذان . وفي المؤذن أوجه . أصحها : لا يبطل الاعتكاف في المؤذن الراتب ، ويبطل في غيره .
والثاني : لا يبطل فيهما . والثالث : يبطل فيهما . ثم إن
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي فرض الخلاف فيما إذا كان بابها خارج المسجد وهي ملتصقة بحريمه .
ولم يشرط الجمهور في صورة الخلاف ، سوى كون بابها خارج المسجد . وزاد
أبو القاسم الكرخي ، فنقل الخلاف فيما إذا كانت في رحبة منفصلة عن المسجد ، بينها وبينه طريق .
قلت : لكن شرطوا كونها مبنية للمسجد ، احترازا من البعيدة . والله أعلم .
وأما العذر فمراتب .
منها :
الخروج لقضاء الحاجة ، وغسل الاحتلام ، فلا يضر قطعا .
ويجوز
الخروج للأكل على الصحيح المنصوص . وإن
عطش فلم يجد الماء في المسجد فله الخروج . وإن وجده ، لم يجز الخروج على الأصح ، لأنه لا يستحيى منه ، ولا يعد ترك مروءة .
ثم أوقات الخروج لقضاء الحاجة لا يجب تداركها لعلتين . إحداهما : أن الاعتكاف مستمر فيها ، ولهذا لو جامع في ذلك ، بطل اعتكافه على الأصح ، والثانية : أن زمن الخروج لقضاء الحاجة مستثنى ، لأنه لا بد منه .
ثم إذا فرغ وعاد ، لم يجب تجديد النية . وقيل : إن طال الزمان ، ففي لزوم وجوب التجديد وجهان والمذهب : الأول . ولو كان للمسجد سقاية ، لم نكلفه قضاء الحاجة فيها .
وكذا لو كان بجنبه دار صديق له ، وأمكنه دخولها ، لم نكلفه ، بل له الخروج إلى داره وإن بعدت ، إلا إذا تفاحش البعد ، فإنه لا يجوز على الأصح ، إلا أن لا يجد في طريقه موضعا ، أو كان لا يليق بحاله أن يدخل لقضاء الحاجة غير
[ ص: 406 ] داره . ولو كانت له داران ، وكل واحدة بحيث لو انفردت ، جاز الخروج إليها ، وإحداهما أقرب ، ففي جواز الخروج إلى الأخرى وجهان . أصحهما : لا يجوز .
ولا يشترط لجواز الخروج شدة الحاجة ، وإذا خرج ، لا يكلف الإسراع ، بل يمشي على سجيته المعهودة .
قلت : فلو تأنى أكثر من عادته ، بطل اعتكافه على المذهب ، ذكره في البحر . والله أعلم .
ولو
كثر خروجه للحاجة لعارض يقتضيه ، فوجهان حكاهما إمام الحرمين . أصحهما وهو مقتضى إطلاق كلام المعظم : أنه لا يضر ، نظرا إلى جنسه ، والثاني : يضر ، لندوره .
فرع
لا يجوز
الخروج لعيادة المريض ، ولا
لصلاة الجنازة . ولو خرج لقضاء الحاجة ، فعاد في طريقه مريضا ، نظر ، إن لم يقف ، ولا عدل عن الطريق ، بل اقتصر على السؤال والسلام ، فلا بأس ، وإن وقف وأطال ، بطل اعتكافه . وإن لم يطل ، لم يبطل على الصحيح .
وادعى إمام الحرمين إجماع الأصحاب عليه . ولو ازور عن الطريق قليلا ، فعاده ، بطل على الأصح .
ولو كان المريض في بيت من الدار التي يدخلها لقضاء الحاجة ، فالعدول لعيادته قليل ، وإن كان في دار أخرى ، فكثير .
ولو
خرج لقضاء الحاجة ، فصلى في الطريق على جنازة ولم ينتظرها ، ولا ازور ، لم يضر على المذهب .
وقيل : فيه الوجهان فيما لو وقف قليلا للعيادة .
وقيل : إن تعينت ، لم يضر ، وإلا فوجهان .
وجعل الإمام ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي ، قدر صلاة الجنازة حدا للوقفة اليسيرة ، واحتمالها لجميع الأغراض .
[ ص: 407 ] ومنها : أن يأكل لقما ، إذا لم نجوز الخروج للأكل . ولو جامع في مروره ، بأن كان في هودج ، أو جامع في وقفة يسيرة ، بطل اعتكافه على الأصح ، لأنه أشد إعراضا عن العبادة ممن أطال الوقوف لعيادة المريض .
وعلى الثاني : لا يبطل ، لأنه غير معتكف في تلك الحال ، ولم يصرف إليه زمنا .
فرع
إذا فرغ من قضاء الحاجة واستنجى ، فله أن يتوضأ خارج المسجد ، لأن ذلك يقع تابعا ، بخلاف ما لو احتاج إلى الوضوء من غير قضاء حاجة ، فإنه لا يجوز له الخروج على الأصح إذا أمكن الوضوء في المسجد .
فرع
إذا
حاضت المرأة المعتكفة ، لزمها الخروج ، وهل ينقطع تتابعها ؟ إن كانت المدة طويلة لا تنفك عن الحيض غالبا ، لم ينقطع ، بل تبني إذا طهرت كالحيض في صوم الشهرين المتتابعين . وإن كانت تنفك ، فقولان . وقيل : وجهان . أظهرهما : ينقطع .
فرع
المرض العارض للمعتكف ، أقسام .
أحدها : خفيف لا يشق معه المقام في المسجد ، كالصداع الخفيف ، والحمى الخفيفة ، فلا يجوز الخروج من المسجد بسببه . فإن خرج ، بطل التتابع .
[ ص: 408 ] والثاني : يشق معه المقام لحاجته إلى الفراش ، والخادم ، وتردد الطبيب ، فيباح الخروج ، ولا ينقطع به التتابع على الأظهر .
الثالث : مرض يخاف منه تلويث المسجد ، كالإسهال ، وإدرار البول ، فيخرج . والمذهب الذي قطع به الجمهور : أنه لا ينقطع التتابع . وقيل : على القولين .
فرع
لو
خرج ناسيا أو مكرها ، لم ينقطع تتابعه على المذهب . وقيل : قولان . فإن قلنا بالمذهب : فلم يتذكر الناسي إلا بعد طول الزمان ، فوجهان ، كما لو أكل الصائم كثيرا ناسيا .
ومن
أخرجه السلطان ظلما ، لمصادرة أو غيرها ، أو خاف من ظالم فخرج واستتر ، فكالمكره . وإن أخرجه لحق وجب عليه وهو يماطل ، بطل ، لتقصيره . وإن حمل وأخرج ، لم يبطل . وقيل : كالمكره ، لوجود المفارقة بنادر .
فرع
إذا
دعي لأداء شهادة ، فخرج لها ، فإن لم يتعين عليه أداؤها ، بطل تتابعه ، سواء كان التحمل معينا ، أم لا ، لأنه ليس له الخروج لحصول الاستغناء عنه ، وإن تعين أداؤها ، نظر ، إن لم يتعين عند التحمل ، بطل على المذهب ، وقيل : قولان ، وإن تعين ، فإن قلنا : إذا لم يتعين لا ينقطع ، فهنا أولى ، وإلا ، فوجهان .
قلت : أصحهما : لا يبطل . والله أعلم .
[ ص: 409 ] ولو
خرجت المعتكفة للعدة ، لم ينقطع على المذهب . وقيل : قولان ، وإن خرج لإقامة حد عليه ، فإن ثبت بإقراره ، انقطع . وإن ثبت بالبينة ، لم يبطل على المذهب . نص عليه ، وقطع به كثير من العراقيين .
ولو لزمها عدة طلاق ، أو وفاة ، لزمها الخروج لتعتد في مسكنها . فإذا خرجت ، فهل يبطل اعتكافها ، أم تبني بعد انقضاء القضاء ؟ فيه الطريقان كما في الشهادة .
لكن المذهب هنا ، البناء . فإن كان اعتكافها بإذن الزوج وقد عين مدة ، فهل يلزمها العود إلى المسكن عند الطلاق أو الوفاة قبل استكمال المدة ؟ قولان مذكوران في كتاب " العدة " . فإن قلنا : لا ، فخرجت ، بطل اعتكافها بلا خلاف .
فرع
يجب
الخروج لصلاة الجمعة ، ويبطل به الاعتكاف على الأظهر ، لإمكان الاعتكاف في الجامع . وعلى هذا ، لو كان اعتكافه المنذور أقل من أسبوع ، ابتدأ به من أول الأسبوع ، حيث شاء من المساجد .
وإن كان في الجامع ، فمتى شاء . وإن كان أكثر من أسبوع ، وجب أن يبتدأ في الجامع . فإن عين غير الجامع ، وقلنا بالتعيين ، لم يخرج عن نذره ، إلا بأن يمرض فتسقط عنه الجمعة ، أو بأن يتركها عاصيا ويدوم على اعتكافه .
ولو أحرم المعتكف ، فإن أمكنه إتمام الاعتكاف ثم الخروج ، ويدرك ، لزمه ذلك . وإن خاف فوت الحج ، خرج إليه وبطل اعتكافه ، فإذا فرغ ، استأنف .
فرع
كل ما قطع التتابع ، يحوج إلى الاستئناف بنية جديدة . وكل عذر لم يجعله قاطعا ، فعند الفراغ منه يجب العود . فلو أخر ، انقطع التتابع وتعذر البناء ،
[ ص: 410 ] ولا بد من قضاء الأوقات المصروفة إلى ما عدا قضاء الحاجة . وهل يجب
تجديد النية عند العود ؟ أما الخروج لقضاء الحاجة ، فقد سبق بيانه قريبا .
وفي معناه ما لا بد منه ، كالاغتسال ، وكذا الأذان إذا جوزنا الخروج له . أما ما له منه بد ، فوجهان .
أحدهما : يجب تجديدها . وأصحهما : لا يجب ، لشمول النية جميع المدة . وطرد
الشيخ أبو علي ، الخلاف فيما إذا خرج لغرض استثناه ، ثم عاد .
ولو عين مدة ، ولم يتعرض للتتابع ، ثم جامع ، أو خرج بلا عذر ، ففسد اعتكافه ، ثم عاد ليتم الباقي ، ففيه الخلاف في وجوب التجديد .
قال الإمام : لكن المذهب هنا وجوب التجديد .
قلت : لو
قال : لله علي اعتكاف شهر نهارا ، صح ، فيعتكف بالنهار دون الليل . نص عليه في " الأم " . ولو
قال : لله علي اعتكاف شهر بعينه ، فبان أنه أنقص ، فلا شيء عليه . قال
الروياني : قال أصحابنا : لو
نذر اعتكافا وقال : إن اخترت جامعت ، أو إن اتفق لي جماع ، جامعت ، لم ينعقد نذره . والله أعلم .