باب
دخول
مكة زادها الله شرفا وما يتعلق به
السنة أن
يدخل المحرم بالحج مكة قبل الوقوف بعرفة . ولدخوله سنن . منها :
الغسل بذي طوى ، وأن
يدخل من ثنية كداء - بفتح الكاف والمد - وهي بأعلى
مكة .
وإذا خرج ، خرج من ثنية كدى - بضم الكاف - بأسفل
[ ص: 75 ] مكة . والذي يشعر به كلام الأكثرين : أنها بالمد أيضا . ويدل عليه أنهم كتبوها بالألف ، ومنهم من قالها بالياء .
قلت : الصواب الذي أطبق عليه المحققون من أهل الضبط : أن الثنية السفلى - بالقصر وتنوين الدال - ولا اعتداد بشياع خلافه عند غيرهم . وأما كتابته بالألف ، فليست ملازمة للمد . والثنية : الطريق الضيق بين جبلين ، وهذه الثنية عند جبل قعيقعان . - والله أعلم - .
قال الأصحاب : وهذه السنة في حق من جاء من طريق
المدينة والشام .
فأما الآتي من غيرها ، فلا يؤمر أن يدور حول
مكة ليدخل من ثنية كداء ، وكذا الغسل بذي طوى . قالوا : وإنما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من تلك الثنية اتفاقا لا قصدا . ومقتضى هذا : أن لا يتعلق نسك بالدخول منها للآتي من جهة
المدينة . وكذا قاله
الصيدلاني ، وقال الشيخ
أبو محمد : ليست الثنية على طريق
المدينة ، بل عدل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال : فيستحب الدخول منها لكل آت . ووافق إمام الحرمين الجمهور ، وسلم للشيخ بأن موضع الثنية على ما ذكره .
قلت : الصحيح : أن يستحب الدخول من الثنية لكل آت من أي جهة . - والله أعلم - .
فرع
هل
الأفضل دخول مكة ماشيا ، أم راكبا ؟ وجهان . فإن دخل ماشيا ، فقيل : الأولى أن يكون حافيا .
قلت : الأصح : ماشيا أفضل ، وله دخول
مكة ليلا ونهارا بلا كراهة ، فقد ثبتت السنة فيهما . والأصح : أن النهار أفضل ، وبه قال
أبو إسحاق ، واختاره
[ ص: 76 ] صاحب " التهذيب " وغيره . وقال القاضي
أبو الطيب وغيره : هما سواء في الفضيلة . - والله أعلم - .
فرع
يستحب
إذا وقع بصره على البيت أن يرفع يديه ويقول : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه ، أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا . ويضيف إليه : اللهم أنت السلام ومنك السلام ، فحينا ربنا بالسلام . ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا ، وأهمها سؤال المغفرة .
واعلم أن بناء البيت رفيع يرى قبل دخول المسجد في موضع يقال له : رأس الردم ، إذا دخل من أعلى
مكة . وحينئذ يقف ويدعو بما ذكرنا . فإذا فرغ من الدعاء قصد المسجد ودخله من باب
بني شيبة ، وهذا مستحب لكل قادم بلا خلاف . ويبتدئ عند دخوله بطواف القدوم ، ويؤخر اكتراء منزله وتغيير ثيابه إلى أن يفرغ طوافه . فلو دخل والناس في مكتوبة ، صلاها معهم أولا .
وكذا لو
أقيمت الجماعة وهو في أثناء الطواف ، قدم الصلاة ، وكذا لو خاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة . ولو قدمت المرأة نهارا وهي جميلة ، أو شريفة لا تبرز للرجال ، أخرت الطواف إلى الليل ، وليس في حق من دخل مكة بعد الوقوف طواف قدوم ، إنما هو لمن دخلها أولا . ويسمى طواف القدوم أيضا طواف الورود وطواف التحية ؛ لأنه تحية البقعة . ويأتي به كل من دخلها ، سواء كان تاجرا ، أو حاجا ، أو غيرهما . ولو كان معتمرا فطاف للعمرة أجزأه عن طواف القدوم ، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد .