أما سنن الطواف ، فخمس .
الأولى : أن
يطوف ماشيا ، ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه ، أو كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليستفتى . ولو
طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهة ، كذا قاله الأصحاب . قال الإمام : وفي القلب من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء . فإن أمكن الاستيثاق فذاك ، وإلا فإدخالها مكروه .
[ ص: 85 ] الثانية : أن
يستلم الحجر الأسود بيده في ابتداء الطواف ، ويقبله ويضع جبهته عليه . فإن منعته الزحمة من التقبيل ، اقتصر على الاستلام . فإن لم يمكن ، اقتصر على الإشارة باليد ، ولا يشترط بالفم إلا التقبيل . ولا يقبل الركنين الشاميين ، ولا يستلمهما . ويستلم الركن اليماني ، ولا يقبله . ويستحب ، أن يقبل اليد بعد استلام اليماني ، وبعد استلام الحجر الأسود إذا اقتصر على استلامه للزحمة .
وذكر إمام الحرمين : أنه مخير بين أن يستلم ثم يقبل اليد ، وبين أن يقبل اليد ، ثم يستلم . والمذهب : القطع بتقديم الاستلام ، ثم تقبيلها ، وبهذا قطع الجمهور . ولو لم يستلم بيده ، فوضع عليه خشبة ، ثم قبل طرفها جاز .
قلت : الاستلام بالخشبة ونحوها ، مستحب إذا لم يتمكن من الاستلام باليد . - والله أعلم - .
ويستحب
تقبيل الحجر ، واستلامه ، واستلام اليماني عند محاذاتهما في كل طوفة ، وهو في الأوتار آكد ؛ لأنها أفضل .
قلت : ولا يستحب للنساء استلام ، ولا تقبيل إلا عند خلو المطاف في الليل أو غيره . - والله أعلم - .
الثالثة :
الدعاء ، فيستحب أن يقول في ابتداء الطواف : بسم الله ، والله أكبر ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك
محمد - صلى الله عليه وسلم - . ويقول بين الركنين اليمانيين : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ويدعو في جميع طوافه بما شاء . وقراءة القرآن في الطواف أفضل من الدعاء غير المأثور . وأما المأثور ، فهو أفضل منها على الصحيح . وعلى الثاني : أنها أفضل منه .
[ ص: 86 ] الرابعة :
الرمل - بفتح الميم والراء - وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو . ويقال له : الخبب . وغلط الأئمة من ظن أنه دون الخبب .
ويسن الرمل في الطوفات الثلاث الأول . ويسن المشي على الهينة في الأربعة الأخيرة . ثم هل يستوعب البيت بالرمل ؟ قولان . المشهور : يستوعب .
والثاني : لا يرمل بين الركنين اليمانيين . ولا خلاف أن الرمل لا يسن في كل طواف ، بل فيما يسن فيه قولان . أظهرهما عند الأكثرين : إنما يسن في طواف يستعقب السعي . والثاني : يسن في طواف القدوم . فعلى القولين : لا رمل في طواف الوداع . ويرمل من قدم
مكة معتمرا لوقوع طوافه مجزئا عن القدوم واستعقابه السعي . ويرمل أيضا الحاج الأفقي إن لم يدخل
مكة إلا بعد الوقوف ، وإن دخلها قبل الوقوف ، فهل يرمل في طواف القدوم ؟ ينظر إن كان لا يسعى عقبه ، فعلى القول الثاني : يرمل . وعلى الأول : لا يرمل ، وإنما يرمل في طواف الإفاضة .
وإن كان يسعى عقبه ، يرمل فيه على القولين . وإذا رمل فيه ، وسعى بعده ، فلا يرمل في طواف الإفاضة إن لم يرد السعي عقبه ، وكذا إن أراده على الأظهر . وإذا طاف للقدوم ، وسعى بعده ولم يرمل ، فهل يقضيه في طواف الإفاضة ؟ وجهان . ويقال قولان . أصحهما : لا .
ولو طاف ورمل ولم يسع ، قال الأكثرون : يرمل في طواف الإفاضة هنا ، لبقاء السعي ، والظاهر أنهم فرعوا على القول الأول ، وإلا فالقول الثاني لا يعتبر السعي . وهل يرمل المكي المنشئ حجه من
مكة ؟ إن قلنا بالقول الثاني فلا إذ لا قدوم في حقه وإلا فنعم ، لاستعقابه السعي .
[ ص: 87 ] فرع
لو
ترك الرمل في الطوفات الثلاث لم يقضه في الأربع الأخيرة ؛ لأن هيئتها السكينة ، فلا يغير .
فرع
القرب من البيت مستحب للطائف ، ولا ينظر إلى كثرة الخطى لو تباعد . فلو تعذر الرمل مع القرب للزحمة ، فإن كان يرجو فرجة ، وقف ليرمل فيها ، وإلا فالمحافظة على الرمل مع البعد عن البيت أفضل ؛ لأن القرب فضيلة تتعلق بموضع العبادة ، والرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة ، والمتعلق بنفس العبادة أولى بالمحافظة . ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت ، أفضل من الانفراد في المسجد . ولو كان في حاشية المطاف نساء ، ولم يأمن ملامستهن لو تباعد ، فالقرب بلا رمل أولى من البعد مع الرمل حذرا من انتقاض الطهارة ، وكذا لو كان بالقرب أيضا نساء ، وتعذر الرمل في جميع المطاف ، لخوف الملامسة ، فترك الرمل في هذه الحالة أولى . ومتى تعذر الرمل ، استحب أن يتحرك في مشيه ، ويرى من نفسه أنه لو أمكنه الرمل لرمل . وإن طاف راكبا أو محمولا ، قولان . أظهرهما : يرمل به الحامل ويحرك الدابة . وقيل : القولان في المحمول البالغ . ويرمل حامل الصبي قطعا .
فرع
ليكن من
دعائه في الرمل : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وذنبا مغفورا ، وسعيا مشكورا .
[ ص: 88 ] الخامسة :
الاضطباع . وهو أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ، وطرفيه على عاتقه الأيسر ، ويبقي منكبه الأيمن مكشوفا . وكل طواف سن فيه الرمل سن فيه الاضطباع ، وما لا فلا .
لكن الرمل مخصوص بالطوفات الثلاث الأول ، والاضطباع يعم جميعها . ويسن أيضا في السعي بين
الصفا والمروة على المذهب الذي قطع به الجمهور . وحكي وجه : أنه لا يسن فيه . ولا يسن في ركعتي الطواف على الأصح ، لكراهة الاضطباع في الصلاة . فعلى هذا ، إذا فرغ [ من ] الطواف ، أزال الاضطباع ثم صلى الركعتين ، ثم أعاد الاضطباع وخرج للسعي .
فرع
لا ترمل المرأة ، ولا تضطبع . وأما الصبي ، فيضطبع على الصحيح .
قلت : ومتى
كان عليه طواف الإفاضة ، فنوى غيره عن غيره ، أو عن نفسه تطوعا أو قدوما ، أو وداعا وقع عن طواف الإفاضة ، كما في واجب الحج والعمرة . ولو
نذر أن يطوف ، فطاف عن غيره ، قال
الروياني : إن كان زمن النذر معينا ، لم يجز أن يطوف فيه عن غيره . وإن طاف في غيره ، أو كان زمانه غير معين ، فهل يصح أن يطوف عن غيره والنذر في ذمته ؟ وجهان . أصحهما : لا يجوز كالإفاضة . - والله أعلم - .