فصل
أعمال الحج يوم النحر أربعة كما سبق ، وهي : رمي جمرة
العقبة ، والذبح ، والحلق ، والطواف ، وهذا يسمى : طواف الإفاضة ، والزيارة ، والركن ، وقد يسمى أيضا : طواف الصدر ، والأشهر : أن طواف الصدر طواف الوداع . وترتيب الأربعة على ما ذكرناه ليس بواجب ، بل مسنون . فلو طاف قبل أن يرمي ، أو ذبح في وقته قبل أن يرمي ، فلا بأس ، ولا فدية . ولو حلق قبل الرمي والطواف . فإن قلنا : الحلق استباحة محظور ، لزمه الفدية ، وإلا فلا على الصحيح . وإذا أتى بالطواف قبل الرمي ، أو بالحلق ، وقلنا : نسك ، قطع التلبية
[ ص: 103 ] بشروعه فيه ؛ لأنه أخذ في أسباب التحلل . وكذا المعتمر يقطع التلبية بأخذه في الطواف .
ويستحب في هذه الأعمال : أن يرمي بعد طلوع الشمس ، ثم يأتي بباقيها ، فيقطع الطواف في ضحوة ، ويدخل وقت جميعها بانتصاف ليلة النحر . ومتى يخرج ؟ أما
الرمي : فيمتد إلى غروب الشمس يوم النحر . وهل يمتد تلك الليلة ؟ فيه وجهان . أصحهما : لا . وأما الذبح ، فالهدي لا يختص بزمن ، لكن يختص بالحرم . بخلاف الضحايا ، فإنها تختص بالعيد وأيام التشريق ، ولا تختص بالحرم .
قلت : كذا جزم الإمام
الرافعي هنا : بأن الهدايا لا تختص بزمن . والصحيح : أنها كالأضحية ، تختص بالعيد والتشريق . وقد ذكره هو على الصواب في باب الهدي ، وسيأتي بيانه فيه إن شاء الله تعالى قريبا . - والله أعلم - .
وأما الحلق والطواف ، فلا يتوقت أحدهما لكن ينبغي أن يطوف قبل خروجه من
مكة . فإن طاف للوداع وخرج [ وقع ] عن طواف الإفاضة ، وإن خرج ولم يطف أصلا ، لم تحل له النساء وإن طال الزمان . ثم مقتضى كلام الأصحاب : لا يتوقت آخر الطواف ، وأنه لا يصير قضاء . وفي " التتمة " : أنه إذا تأخر عن أيام التشريق ، صار قضاء .
فرع
للحج تحللان ، وللعمرة تحلل واحد . قال الأصحاب : لأن الحج يطول زمنه ، وتكثر أعماله . بخلاف العمرة ، فأبيح بعض محرماته في وقت ، وبعضها في وقت . ثم
أسباب تحلل الحج : الرمي ، والطواف ، والحلق إن قلنا : هو نسك ، وإلا فالرمي والطواف . إن قلنا : ليس بنسك ، حصل التحلل الأول بأحدهما ، والتحلل الثاني بالآخر ، وإلا حصل التحلل الأول باثنين من الثلاثة ، إما الرمي
[ ص: 104 ] والحلق ، وإما الحلق والطواف ، وإما الرمي والطواف ، وحصل التحلل الثاني بالثالث . ولا بد من السعي مع الطواف وإن لم يكن سعى . هذا الذي ذكرنا ، هو المذهب المعروف الذي قطع به معظم الأصحاب . وفي وجه
للإصطخري : دخول وقت الرمي كالرمي في حصول التحلل . ووجه
للداركي : أنا إن جعلنا الحلق نسكا ، حصل التحللان جميعا بالحلق مع الطواف ، أو بالطواف والرمي ، ولا يحصل بالرمي والحلق إلا أحدهما . ووجه : أنه يحصل التحلل الأول بالرمي فقط ، أو الطواف فقط ، وإن قلنا : الحلق نسك . ولو فاته الرمي ، فهل يتوقف تحلله على الإتيان ببدله ؟ فيه ثلاثة أوجه . أصحها : نعم . والثالث : إن افتدى بالدم توقف . وإن افتدى بالصوم ، فلا لطول زمنه .
وأما
العمرة : فتحللها بالطواف والسعي ، ويضم إليهما الحلق إن قلنا : نسك . ويحل بالتحلل الأول في الحج : اللبس ، والقلم ، وستر الرأس ، والحلق إن لم نجعله نسكا . ولا يحل الجماع إلا بالتحللين بلا خلاف . والمستحب : أن لا يطأ حتى يرمي في أيام التشريق ، وفي
عقد النكاح ، والمباشرة فيما سوى الفرج ، كالقبلة ، والملامسة قولان . أظهرهما عند الأكثرين : لا يحل إلا بالتحللين ، وأظهرهما عند صاحب " المهذب " وطائفة : يحل بالأول ، ويحل الصيد بالأول على الأظهر باتفاقهم . والمذهب : حل الطيب بالأول ، بل هو مستحب بين التحللين .