[ ص: 116 ] فصل في
طواف الوداع قولان . أظهرهما : يجب . والثاني : يستحب . وقيل يستحب قطعا . فإن تركه جبره بدم . فإن قلنا : إنه واجب ، كان جبره واجبا ، وإلا مستحبا . والمذهب : أن طواف القدوم لا يجبر . وعن صاحب " التقريب " : أنه كالوداع في وجوب الجبر ، وهو شاذ . وإذا خرج بلا وداع ، وقلنا : يجب الدم ، فعاد قبل بلوغه مسافة القصر ، سقط عنه الدم . وإن عاد بعد بلوغها ، فوجهان . أصحهما : لا يسقط ، ولا يجب العود في الحالة الثانية . وأما الأولى ، فستأتي إن شاء الله تعالى .
وليس على الحائض طواف وداع . فلو طهرت قبل مفارقة خطة
مكة لزمها العود والطواف . وإن طهرت بعد بلوغها مسافة القصر فلا . وإن لم تبلغ مسافة القصر ، فنص أنه لا يلزمها العود ، ونص أن المقصر بالترك يلزمه العود .
فالمذهب : الفرق كما نص عليه . وقيل : فيهما قولان . فإن قلنا : لا يلزم العود ، فالنظر إلى نفس
مكة أو الحرم ؟ وجهان . أصحهما :
مكة . ثم إن أوجبنا العود ، فعاد وطاف سقط الدم ، وإن لم يعد ، لم يسقط .
وإن لم نوجبه ، فلم يعد فلا دم على الحائض ، ويجب على المقصر .
فرع
ينبغي أن
يقع طواف الوداع بعد جميع الأشغال ، ويعقبه الخروج بلا مكث . فإن مكث نظر إن كان لغير عذر أو لشغل غير أسباب الخروج ، كشراء متاع
[ ص: 117 ] ، أو قضاء دين ، أو زيارة صديق أو عيادة مريض ، فعليه إعادة الطواف . وإن
اشتغل بأسباب الخروج كشراء الزاد ، وشد الرحل ونحوهما ، فهل يحتاج إلى إعادته ؟
[ فيه ] طريقان . قطع الجمهور بأنه لا يحتاج . وفي النهاية : وجهان .
قلت : لو أقيمت الصلاة فصلاها ، لم يعده . - والله أعلم - .
فرع
حكم طواف الوداع حكم سائر أنواع الطواف في الأركان والشرائط . وفيه وجه
لأبي يعقوب الأبيوردي : أنه يصح بلا طهارة ، وتجبر الطهارة بالدم .
فرع
هل طواف الوداع من جملة المناسك ؟ فيه خلاف ، قال الإمام ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي : هو من المناسك ، وليس على الخارج من
مكة وداع لخروجه منها . وقال صاحبا " التتمة " و " التهذيب " وغيرهما : ليس طواف الوداع من المناسك ، بل يؤمر به من أراد مفارقة
مكة إلى مسافة القصر ، سواء كان مكيا أو أفقيا ، وهذا أصح ؛ تعظيما للحرم ، وتشبيها لاقتضاء خروجه الوداع باقتضاء دخوله الإحرام ؛ ولأنهم اتفقوا على أن المكي إذا حج وهو على أنه يقيم بوطنه ، لا يؤمر بطواف الوداع ، وكذا الأفقي إذا حج وأراد الإقامة
بمكة ، لا وداع عليه ، ولو كان من جملة المناسك ، لعم الحجيج .
قلت : ومما يستدل به من السنة لكونه ليس من المناسك ، ما ثبت في " صحيح
مسلم " وغيره ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350721يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء [ ص: 118 ] نسكه ثلاثا " ، ووجه الدلالة : أن طواف الوداع يكون عند الرجوع ، فسماه قبله : قاضيا للمناسك ، وحقيقته : أن يكون قضاها كلها . - والله أعلم - .
فرع
استحب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله -
للحاج إذا طاف للوداع ، أن يقف بحذاء الملتزم بين الركن والباب ويقول : اللهم البيت بيتك ، والعبد عبدك ، وابن أمتك ، حملتني على ما سخرت لي من خلقك ، حتى سيرتني في بلادك ، وبلغتني بنعمتك ، حتى أعنتني على قضاء مناسكك ، فإن كنت رضيت عني ، فازدد عني رضا ، وإلا فالآن قبل أن تنأى عن بيتك داري ، هذا أوان انصرافي إن أذنت [ لي ] غير مستبدل بك ولا ببيتك ، ولا راغب عنك ولا عن بيتك ، اللهم اصحبني العافية في بدني ، والعصمة في ديني ، وأحسن منقلبي ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، قال : وما زاد فحسن ، وقد زيد فيه : واجمع لي خير الدنيا والآخرة ، إنك قادر على ذلك ، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وينصرف . وينبغي أن يتبع نظره البيت ما أمكنه ، ويستحب أن يشرب من
زمزم ، وأن يزور بعد الفراغ
قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قلت : يستحب للحاج
دخول البيت حافيا ما لم يؤذ أو يتأذ بزحام أو غيره . ويستحب أن يصلي فيه ، ويدعو في جوانبه ، وأن يكثر الاعتمار والطواف تطوعا قال صاحب " الحاوي " : الطواف أفضل من الصلاة . وظاهر عبارة صاحب " المهذب " وآخرين في قولهم : أفضل عبادات البدن الصلاة أنها أفضل
[ ص: 119 ] منه ، ولا ينكر هذا . ويقال : الطواف صلاة ؛ لأن الصلاة عند الإطلاق لا تنصرف إليه لا سيما في كتب المصنفين الموضوعة للإيضاح ، وهذا أقوى في الدليل . - والله أعلم - .