فصل
في
سنن الذبح وآدابه
سواء ذبح الأضحية وغيرها .
إحداها : تحديد الشفرة .
الثانية : إمرار السكين بقوة وتحامل ذهابا وعودا ، ليكون أوحى وأسهل .
الثالثة : استقبال الذابح القبلة ، وتوجيه الذبيحة إليها ، وذلك في الهدي والأضحية أشد استحبابا ؛ لأن الاستقبال مستحب في القربات . وفي كيفية توجيهها ثلاثة أوجه . أصحها : يوجه مذبحها إلى القبلة ، ولا يوجه وجهها ، ليمكنه هو أيضا الاستقبال . والثاني : يوجهها بجميع بدنها . والثالث : يوجه قوائمها .
[ ص: 205 ] الرابعة : التسمية مستحبة عند الذبح ، والرمي إلى الصيد ، وإرسال الكلب . فلو تركها عمدا أو سهوا ، حلت الذبيحة ، لكن تركها عمدا ، مكروه على الصحيح . وفي تعليق
الشيخ أبي حامد : أنه يأثم به . وهل يتأدى الاستحباب بالتسمية عند عض الكلب وإصابة السهم ؟ وجهان : أصحهما : نعم . وهذا الخلاف في كمال الاستحباب . فأما إذا ترك التسمية
[ عند الإرسال فيستحب أن يتداركها عند الإصابة قطعا ، كمن ترك التسمية ] في أول الوضوء والأكل ، يستحب أن يسمي في أثنائهما .
ولا يجوز أن يقول الذابح والصائد : باسم
محمد ولا باسم الله واسم
محمد ، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه ، واليمين باسمه ، والسجود له ، ولا يشاركه في ذلك مخلوق . وذكر في " الوسيط " : أنه لا يجوز أن يقول : باسم الله
ومحمد رسول الله ؛ لأنه تشريك . قال : ولو قال : بسم الله
ومحمد رسول الله ، بالرفع ، فلا بأس . ويناسب هذه المسائل ما حكاه في " الشامل " وغيره عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : أنه لو كان لأهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله تعالى ،
كالمسيح ، لم تحل . وفي كتاب القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج : أن اليهودي لو ذبح
لموسى ، والنصراني
لعيسى صلى الله عليهما وسلم ، أو للصليب ، حرمت ذبيحته ، وأن المسلم لو ذبح للكعبة أو للرسول صلى الله عليه وسلم ، فيقوى أن يقال : يحرم ؛ لأنه ذبح لغير الله تعالى . قال : وخرج
أبو الحسين وجها آخر : أنها تحل ؛ لأن المسلم يذبح لله تعالى ، ولا يعتقد في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعتقده النصراني في
عيسى . قال : وإذا ذبح للصنم ، لم تؤكل ذبيحته ، سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا . وفي تعليقة
للشيخ إبراهيم المروروذي رحمه الله : أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه ، أفتى أهل
بخارى بتحريمه ؛ لأنه مما أهل به لغير الله تعالى .
واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه ، نازل منزلة السجود له ، وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة ، فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة ، لم تحل ذبيحته ، وكان فعله كفرا ،
[ ص: 206 ] كمن سجد لغيره سجدة عبادة ، وكذا لو ذبح له ولغيره على هذا الوجه ، فأما إذا ذبح لغيره لا على هذا الوجه ، بأن ضحى أو ذبح للكعبة تعظيما لها لأنها بيت الله تعالى ، أو الرسول لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا لا يجوز أن يمنع حل الذبيحة ، وإلى هذا المعنى ، يرجع قول القائل : أهديت للحرم ، أو للكعبة ، ومن هذا القبيل ، الذبح عند استقبال السلطان ، فإنه استبشار بقدومه ، نازل منزلة ذبح العقيقة لولادة المولود ، ومثل هذا لا يوجب الكفر ، وكذا السجود للغير تذللا وخضوعا . وعلى هذا ، إذا قال الذابح : باسم الله وباسم
محمد ، وأراد : أذبح باسم الله ، وأتبرك باسم
محمد ، فينبغي أن لا يحرم . وقول من قال : لا يجوز ذلك ، يمكن أن يحمل على أن اللفظة مكروهة ؛ لأن المكروه ، يصح نفي الجواز والإباحة المطلقة عنه .
ووقعت منازعة بين جماعة ممن لقيناهم من فقهاء
قزوين
[ في ] أن من ذبح باسم الله واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل تحل ذبيحته ؟ وهل يكفر بذلك ؟ وأفضت تلك المنازعة إلى فتنة ، والصواب ما بيناه . وتستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح ، نص عليه في " الأم " ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة : لا تستحب ولا تكره .
قلت : أتقن الإمام
الرافعي رحمه الله هذا الفصل ، ومما يؤيد ما قاله ، ما ذكره
الشيخ إبراهيم المروروذي في تعليقه ، قال : وحكى صاحب " التقريب " عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : أن النصراني إذا سمى غير الله تعالى ،
كالمسيح ، لم تحل ذبيحته ، قال صاحب " التقريب " : معناه أنه يذبحها له ، فأما إن ذكر
المسيح على معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجائز . قال : وقال
الحليمي : تحل مطلقا ، وإن سمى
المسيح . والله أعلم .
الخامسة : المستحب في الإبل النحر ، وهو قطع اللبة أسفل العنق ، وفي البقر والغنم
[ ص: 207 ] الذبح ، وهو قطع الحلق أعلى العنق . والمعتبر في الموضعين ، قطع الحلقوم والمريء . فلو ذبح الإبل ونحر البقر والغنم ، حل ، ولكن ترك المستحب ، وفي كراهته قولان ، المشهور : لا يكره .
السادسة : يستحب أن ينحر البعير قائما على ثلاث قوائم معقول الركبة ، وإلا فباركا ، وأن تضجع البقرة والشاة على جنبها الأيسر ، وتترك رجلها اليمنى وتشد قوائمها الثلاث .
السابعة : إذا قطع الحلقوم والمريء ، فالمستحب أن يمسك ولا يبين رأسه في الحال ، ولا يزيد في القطع ، ولا يبادر إلى سلخ الجلد ، ولا يكسر الفقار ، ولا يقطع عضوا ، ولا يحرك الذبيحة ، ولا ينقلها إلى مكان ، بل يترك جميع ذلك حتى تفارق الروح ، ولا يمسكها بعد الذبح مانعا لها من الاضطراب . والأولى أن تساق إلى المذبح برفق ، وتضجع برفق ، ويعرض عليها الماء قبل الذبح ، ولا يحد الشفرة قبالتها ، ولا يذبح بعضها قبالة بعض .
الثامنة : يستحب عند التضحية أن يقول : اللهم منك وإليك ، تقبل مني . وفي " الحاوي " وجه ضعيف : أنه لا يستحب . ولو قال : تقبل مني كما تقبلت من
إبراهيم خليلك
ومحمد عبدك ورسولك صلى الله عليهما ، لم يكره ولم يستحب ، كذا نقله في " البحر " عن الأصحاب . قال في " الحاوي " : يختار في الأضحية أن يكبر الله تعالى قبل التسمية وبعدها
[ ثلاثا ] فيقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .