النوع الخامس : الانتفاع بها ، وما في معناه أو يخالفه ، وفيه مسائل :
[ ص: 225 ] إحداها : لا يجوز
بيع جلد الأضحية ، ولا جعله أجرة للجزار وإن كانت تطوعا ، بل يتصدق به المضحي ، أو يتخذ منه ما ينتفع بعينه من خف
[ أو نعل ] أو دلو ، أو فرو ، أو يعيره لغيره ولا يؤجره . وحكى صاحب " التقريب " قولا غريبا : أنه يجوز بيع الجلد ، ويصرف ثمنه مصرف الأضحية ، وحكي وجه : أنه لا يجوز أن ينفرد بالانتفاع بالجلد ؛ لأنه نوع يخالف الانتفاع باللحم ، فيجب التشريك فيه ، كالانتفاع باللحم . والمشهور : الأول . ولا فرق في تحريم البيع ، بين بيعه بشيء ينتفع به في البيت وغيره .
الثانية : التصدق بالجلد لا يكفي إذا أوجبنا التصدق بشيء من الأضحية ، والقرن كالجلد .
الثالثة : لا يجز صوفها إن كان في بقائه مصلحة ، لدفع حر ، أو برد ، أو كان وقت الذبح قريبا ولم يضر بقاؤه ، وإلا فيجزه ، وله الانتفاع به . والأفضل : التصدق . وفي " التتمة " : أن صوف الهدي يستصحبه ويتصدق به على مساكين الحرم كالولد .
الرابعة : إذا
ولدت الأضحية أو الهدي المتطوع بهما ، فهو ملكه كالأم . ولو ولدت المعينة بالنذر ابتداء ، تبعها الولد ، سواء كانت حاملا عند التعيين ، أم حملت بعده . فإن ماتت الأم ، بقي الولد أضحية ، كولد المدبرة لا يرتفع تدبيره بموتها . ولو عينها بالنذر على ما في ذمته ، فالصحيح : أن حكم ولدها كولد المعينة بالنذر ابتداء . وفي وجه : لا يتبعها ، بل هو ملك للمضحي أو المهدي ؛ لأن ملك الفقراء غير مستقر في هذه ، فإنها لو عابت عادت إلى ملكه . وفي وجه : يتبعها ما دامت حية . فإن ماتت ، لم يبق حكم الأضحية في الولد . والصحيح : بقاؤه ، والخلاف جار في ولد الأمة المبيعة إذا ماتت في يد البائع . وإذا لم يطق ولد الهدي المشي ، يحمل على أمه أو غيرها ليبلغ الحرم . ثم إذا ذبح الأم والولد ، ففي تفرقة لحمهما أوجه : أحدها : لكل واحد منهما حكم ضحية ، فيتصدق من كل
[ ص: 226 ] واحد بشيء ، لأنهما ضحيتان . والثاني : يكفي التصدق من أحدهما ؛ لأنه بعضها . والثالث : لا بد من التصدق من لحم الأم ، لأنها الأصل ، وهذا هو الأصح عند
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي . وقال
الروياني : الأول : أصح ويشترك الوجهان الأخيران في جواز أكل جميع الولد . ولو ذبحها ، فوجد في بطنها جنينا ، فيحتمل أن يطرد فيه هذا الخلاف ، ويحتمل القطع بأنه بعضها .
قلت : ينبغي أن يبنى على الخلاف المعروف ، في أن الحمل له حكم ، وقسط من الثمن ، أم لا ؟ إن قلنا : لا ، فهو بعض كيدها ، وإلا فالظاهر : طرد الخلاف ، ويحتمل القطع بأنه بعض . والأصح على الجملة : أنه يجوز أكل جميعه . والله أعلم .
الخامسة :
لبن الأضحية والهدي ، لا يحلب إن كان قدر كفاية ولدها . فإن حلبه فنقص الولد ، ضمن النقص . وإن فضل عن ري الولد ، حلب . ثم قال الجمهور : له شربه ؛ لأنه يشق نقله ، ولأنه يستخلف ، بخلاف الولد . وفي وجه : لا يجوز شربه .
وقال صاحب " التتمة " : إن لم نجوز أكل لحمها ، لم يشربه ، وينقل لبن الهدي إلى مكة إن تيسر أو أمكن تجفيفه ، وإلا فيتصدق به على الفقراء هناك . وإن جوزنا اللحم شربه .
السادسة : يجوز ركوبهما وإركابهما بالعارية ، والحمل عليهما من غير إجحاف . فإن نقصا بذلك ضمن ، ولا تجوز إجارتهما .
السابعة : لو اشترى شاة فجعلها ضحية ، ثم وجد بها عيبا قديما ، لم يجز ردها لزوال الملك عنها ، كمن اشترى عبدا فأعتقه ثم علم به عيبا ، لكن يرجع على البائع بالأرش . وفيما يفعل به وجهان : أحدهما : يصرف مصرف الأضحية ، فينظر ، أيمكنه أن يشتري به ضحية أو جزءا ، أم لا ؟ ويعود فيه ما سبق في نظائره ، وفرقوا بينه وبين أرش العيب بعد إعتاق
[ ص: 227 ] العبد ، فإنه للذي أعتقه ، بأن المقصود من العتق تكميل الأحكام ، والعيب لا يؤثر فيه . والمقصود من الأضحية اللحم ، ولحم المعيب ناقص . والوجه الثاني : أنه للمضحي ، لا يلزمه صرفه للأضحية ؛ لأن الأرش بسبب سابق للتعيين . وبالوجه الأول قاله الأكثرون ، لكن الثاني أقوى ، ونسبه الإمام إلى المراوزة وقال لا : يصح غيره ، وإليه ذهب
ابن الصباغ nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني .
قلت : قد نقل في الشامل هذا الثاني عن أصحابنا مطلقا ، ولم يحك فيه خلافا ، فهو الصحيح . والله أعلم .