[ ص: 334 ] فصل
في مسائل منثورة
إحداها : إذا نذر الصوم في بلد ، لم يتعين ، بل له أن يصوم حيث شاء ، سواء عين
مكة أو غيرها . وفي وجه شاذ : إذا عين الحرم ، اختص به .
الثانية : ستر الكعبة وتطييبها من القربات ، سواء سترها بالحرير وغيره . ولو نذر سترها وتطييبها ، صح نذره . وإذا نذر أن يجعل ما يهديه في رتاج الكعبة وطيبها ، قال
إبراهيم المروذي : ينقله إليها ويسلمه إلى القيم ليصرفه في الجهة المذكورة ، إلا أن يكون قد نص في نذره أنه يتولى ذلك بنفسه . ولو نذر تطييب مسجد
المدينة ، أو
الأقصى ، أو غيرهما من المساجد ، ففيه تردد للإمام . ومال الإمام إلى تخصيصه بالكعبة ، والمسجد الحرام .
الثالثة : نقل القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج وجهين فيمن قال : إن شفى الله مريضي ، فلله علي أن أعجل زكاة مالي ، هل يصح نذره ؟ ووجهين فيمن قال : إن شفى الله مريضي ، فلله علي أن أذبح عن ولدي ، هل يلزمه الذبح عن ولده ؛ لأن الذبح عن الأولاد مما يتقرب به ؟ ووجهين فيما إذا
قال : إن شفى الله مريضي ، فلله علي أن أذبح ابني ، فإن لم يجز فشاة مكانه ، هل يلزمه ذبح شاة ؟ ووجهين فيما إذا
نذر النصراني أن يصلي أو يصوم ، ثم أسلم ، هل يلزمه أن يصلي صلاة شرعنا وصومه ؟
قلت : الأصح في الصورة الثانية : الصحة . وفي الباقي : البطلان . والله أعلم .
الرابعة : في فتاوى
القفال : أنه لو نذر أن يضحي بشاة ، ثم عين شاة
[ ص: 335 ] لنذره ، فلما قدمها للذبح صارت معيبة ، لا تجزئ . ولو نذر أن يهدي شاة ، ثم عين شاة ، وذهب بها إلى
مكة ، فلما قدمها للذبح تعيبت ، أجزأته ؛ لأن الهدي ما يهدى إلى الحرم ، وبالوصول إليه حصل الإهداء ، والتضحية لا تحصل إلا بالذبح .
الخامسة : قال صاحب التقريب : لو قال : إن شفى الله مريضي ، فلله علي أن أشتري بدرهم خبزا وأتصدق به ، لا يلزمه الشراء ، بل يلزمه أن يتصدق بخبز قيمته درهم .
السادسة : لو
قال : إن شفى الله مريضي ، فلله على رجلي حج ماشيا ، صح نذره ، إلا أن يريد إلزام الرجل حاجة . ولو قال : على نفسي أو رقبتي ، صح .
السابعة : إذا نذر إعتاق رقبة وكان عليه رقبة عن كفارة ، فأعتق رقبتين ، ونواهما عن الواجب ، أجزأه وإن لم يعين ، كما لو كان عليه كفارتان مختلفتان .
الثامنة : لو نذر صلاتين ، لم يخرج عن نذره بأربع ركعات بتسليمة واحدة .
التاسعة : لو
قال : إن شفى الله مريضي ، فلله علي أن أتصدق بشيء ، صح نذره ، ويتصدق بما شاء من قليل وكثير . ولو قال : فعلي ألف ، ولم يعين شيئا باللفظ ولا بالنية ، لم يلزمه شيء .
العاشرة : ولو
نذر صوم شهر ، ومات قبل إمكان الصوم ، يطعم عنه عن كل يوم مد ، بخلاف ما لو لزمه قضاء رمضان لمرض ، أو سفر ، ومات قبل إمكان القضاء ، لا يطعم عنه ؛ لأن المنذور مستقر بنفس النذر ، قاله
القفال ، وبنى على هذا : أنه لو حلف وحنث في يمينه وهو معسر فرضه الصيام ، فمات قبل الإمكان ، يطعم عنه . وأنه لو
نذر حجة ، ومات قبل الإمكان ، يحج عنه ، وهذا بخلاف ما قدمناه في الحج .
[ ص: 336 ] الحادية عشرة : قال
القفال : من التزم بالنذر أن لا يكلم الآدميين ، يحتمل أن يقال : يلزمه ؛ لأنه مما يتقرب به ، ويحتمل أن يقال : لا ، لما فيه من التضييق والتشديد ، وليس ذلك من شرعنا ، كما لو
نذر الوقوف في الشمس .
قلت : الاحتمال الثاني أصح .
واعلم أنه ثبت في صحيحي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=10350737عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النذر . وفي فتاوى القاضي
حسين : أنها لو كانت تلد أولادا ويموتون ، فقالت : إن عاش لي ولد ، فلله علي عتق رقبة ، قال : يشترط للزوم العتق أن يعيش لها ولد أكثر مما عاش أكبر أولادها الموتى ، وإن قلت تلك الزيادة . وقال
العبادي : متى ولدت حيا ، لزمها العتق وإن لم يعش أكثر من ساعة ؛ لأنه عاش . والأول : أصح . وأنه لو
نذر التضحية بهذه الشاة على أن لا يتصدق بلحمها ، لا ينعقد . وأنه لو قال : إن شفى الله مريضي ، فلله علي أن أتصدق بدينار ، فشفي ، فأراد التصدق به على ذلك المريض وهو فقير ، فإن كان لا يلزمه نفقته ، جاز ، وإلا ، فلا ، وأنه لو قال إن شفى الله مريضي ، فلله علي أن أتصدق على ولدي أو على زيد وزيد موسر يلزمه الوفاء ; لأن الصدقة على الغني جائزة وقربة ، وأنه لو نذر صوم سنة معينة ثم قال إن شفى الله مريضي ، فلله علي أن أصوم الأثانين من هذه السنة . قال : لا ينعقد نذر الثاني ؛ لأن الزمان مستحق لغيره . وقال
العبادي : ينعقد ويلزمه القضاء . قيل له : لو كان له عبد ، فقال : إن شفى الله مريضي ، فلله علي عتقه ، ثم قال : إن قدم زيد ، فعلي عتقه ، قال : ينعقدان ، فإن وقعا معا ، أقرع بينهما ، هذا آخر المنقول من فتاوى القاضي .
[ ص: 337 ] ومما يحتاج إليه : إذا نذر زيتا ، أو شمعا ، أو نحوه ليسرج به في مسجد أو غيره ، إن كان بحيث ينتفع به - ولو على الندور - مصل هناك أو نائم أو غيرهما ، صح ولزم . وإن كان يغلق ولا يتمكن أحد من الدخول والانتفاع به ، لم يصح . ولو وقف شيئا ليشترى من غلته زيت أو غيره ليسرج به في مسجد أو غيره ، فحكمه في الصحة ما ذكرناه في النذور . والله أعلم .