الأمر الثاني :
أهلية البائع والمشتري ، ويشترط فيهما لصحة البيع : التكليف ،
[ ص: 344 ] فلا ينعقد بعبارة الصبي والمجنون ، لا لأنفسهما ، ولا لغيرهما ، سواء كان الصبي مميزا أو غير مميز ، باشر بإذن الولي أو بغير إذنه ، وسواء بيع الاختبار وغيره . وبيع الاختبار : هو الذي يمتحنه الولي به ليستبين رشده عند مناهزة الاحتلام ، ولكن يفوض إليه الاستيام وتدبير العقل ، فإذا انتهى الأمر إلى اللفظ ، أتى به الولي . وفي وجه ضعيف : يصح منه بيع الاختبار .
قلت : ويشترط في المتعاقدين ، الاختيار . فإن
أكرها على البيع ، لم يصح ، إلا إذا أكره بحق ، بأن يتوجه عليه بيع ماله لوفاء دين عليه ، أو شراء مال أسلم إليه فيه ، فأكرهه الحاكم عليه ، صح بيعه وشراؤه ؛ لأنه إكراه بحق . فأما بيع المصادر ، فالأصح : صحته . وقد سبق بيانه في نصف الباب الثاني من الأطعمة . ويصح
بيع السكران وشراؤه على المذهب ، وإن كان غير مكلف كما تقرر في كتب الأصول ، وسنوضحه في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى . والله أعلم .
فرع :
لو
اشترى الصبي شيئا فتلف في يده ، أو أتلفه ، فلا ضمان عليه في الحال ، ولا بعد البلوغ . وكذا لو اقترض مالا ؛ لأن المالك هو المضيع بالتسليم إليه . وما داما باقيين ، فللمالك الاسترداد . ولو سلم ثمن ما اشتراه ، لزم الولي استرداده ، ولزم البائع رده إلى الولي . فإن رده إلى الصبي ، لم يبرأ من الضمان . وهذا كما لو سلم الصبي درهما إلى صراف لينقده ، أو سلم متاعا إلى مقوم ليقومه ، فإذا أخذه ، لم يجز رده إلى الصبي ، بل يرده إلى وليه إن كان المال للصبي . وإن كان لكامل ، فإلى المالك . فلو أمره الولي بدفعه إلى الصبي ، فدفعه إليه ، سقط عنه الضمان إن كان المال للولي . وإن كان للصبي ، فلا ، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي
[ ص: 345 ] في البحر ففعل ، فإنه يلزمه الضمان . ولو
تبايع صبيان وتقابضا ، وأتلف كل واحد ما قبضه ، نظر ، إن جرى ذلك بإذن الوليين ، فالضمان عليهما ، وإلا ، فلا ضمان عليهما ، وعلى الصبيين الضمان ؛ لأن تسليمهما لا يعد تسليطا وتضييعا .
فرع :
لا ينعقد نكاح الصبي وسائر تصرفاته ، لكن في تدبير المميز ووصيته خلاف مذكور في موضعه . ولو فتح بابا وأخبر بإذن أهل الدار في الدخول ، أو أوصل هدية وأخبر عن إهداء مهديها ، فهل يجوز الاعتماد عليه ؟ نظر ، إن انضمت قرائن تحصل العلم بذلك ، جاز الدخول والقبول ، وهو في الحقيقة عمل بالعلم ، لا بقوله . وإن لم ينضم ، نظر ، إن كان غير مأمون القول ، لم يعتمد ، وإلا ، فطريقان . أصحهما : القطع بالاعتماد . والثاني : على الوجهين في قبول روايته .
فرع :
كما لا تصح تصرفاته اللفظية ، لا يصح قبضه في تلك التصرفات ، فلا يفيد قبضه الملك في الموهوب له وإن اتهبه الولي ، ولا لغيره إذا أمره الموهوب له بالقبض له . ولو قال مستحق الدين لمن عليه : سلم حقي إلى هذا الصبي ، فسلم إليه قدر حقه ، لم يبرأ من الدين ، وكان ما سلمه باقيا في ملكه ، حتى لو ضاع ، لضاع عليه ، ولا ضمان على الصبي ؛ لأن الدافع ضيعه بتسليمه ، ويبقى الدين بحاله ؛ لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح ، فلا يزول عن الذمة ، كما لو قال : ألق حقي في البحر ، فألقى قدر حقه ، لا يبرأ ، بخلاف ما لو
قال مالك الوديعة للمودع : سلم مالي إلى هذا الصبي ، فسلم ، خرج من العهدة ؛ لأنه امتثل أمره في حقه المتعين
[ ص: 346 ] كما لو قال : ألقها في البحر ، فامتثل . ولو كانت الوديعة للصبي ، فسلمها إليه ، ضمن ، سواء كان بإذن الولي أو بغير إذنه ، إذ ليس له تضييعها وإن أمره الولي به .