فصل
في
بيان القاعدة المعروفة بمد عجوة
ومقصوده : أن يشتمل العقد على ربوي من الجانبين ، ويختلف العوضان أو أحدهما ، جنسا ، أو نوعا ، أو صفة ، وهو ضربان .
أحدهما : يكون الربوي من الجانبين جنسا ، والثاني : يكون جنسين . فالأول : فيه تقع القاعدة المقصودة .
فمن صوره : أن يختلف الجنس من الطرفين أو أحدهما ، كما إذا باع مد عجوة ، ودرهما بمد عجوة ودرهم ، أو بمدي عجوة ، أو بدرهمين ، أو باع صاع حنطة وصاع شعير بصاع حنطة وصاع شعير ، أو بصاعي حنطة ، أو بصاعي شعير .
ومن صوره : أن يختلف النوع أو الصفة من الطرفين أو أحدهما ، كما إذا
باع مد عجوة ومد صيحاني ، بمد عجوة ، ومد صيحاني ، أو بمدي عجوة ، أو بمدي صيحاني ، أو باع مائة دينار جيدة ، ومائة دينار رديئة [ بمائتي ] دينار جيد ، أو رديء ، أو وسط ، أو بمائة جيد ، ومائة رديء ، فلا يصح البيع في شيء من هذه الصور ونظائرها . هذا هو الصحيح المعروف الذي قطع به الجمهور ، ولنا وجه : أنه إذا باع مد عجوة ودرهما بمد ودرهم ، والدرهمان من ضرب واحد ، والمدان من شجرة واحدة ، أو باع صاع حنطة وصاع شعير بمثلهما ، وصاعا الحنطة من صبرة ، وكذا الشعير ، صح . ويحكى هذا عن القاضيين
أبي الطيب وحسين ، واختاره
الروياني . وحكى صاحب " البيان " وجها : أنه لا يضر اختلاف النوع والصفة ، إذا اتحد الجنس . والمعروف ما سبق .
[ ص: 387 ] ومن صور هذا الأصل : أن يبيع دينارا صحيحا ودينارا مكسرا بدينار صحيح وآخر مكسر ، أو بصحيحين ، أو بمكسرين إذا كانت قيمة المكسر دون الصحيح ، ولنا وجه ضعيف : أن صفة الصحة في محل المسامحة . ثم إن الأصحاب ، أطلقوا القول بالبطلان في حكايتهم المذهب . وحكى صاحب " التتمة " : أنه إذا
باع مدا ودرهما بمدين ، بطل العقد في المد المضموم إلى الدرهم وفيما يقابله من المدين . وهل يبطل في الدرهم وما يقابله من المدين ؟ فيه قولا تفريق الصفقة . وعلى هذا قياس ما لو باعهما بدرهمين ، أو
باع صاع حنطة وصاع شعير ، بصاعي حنطة ، أو بصاعي شعير . ويمكن أن يكون كلام من أطلق محمولا على ما فصله . ولو كان الجيد مخلوطا بالرديء ، فباع صاعا منه بمثله ، أو بجيد ، أو برديء ، جاز ؛ لأن التوزيع إنما يكون عند تميز أحد النوعين عن الآخر . أما إذا لم يتميز ، فهو كما لو
باع صاعا وسطا بجيد ، أو رديء ، فيجوز . ثم صور البطلان مفروضة فيما إذا قابل الجملة بالجملة . فلو فصل ، فتبايعا مد عجوة ودرهما بمد ودرهم ، وجعلا المد في مقابلة المد ، والدرهم في مقابلة الدرهم ، أو جعلا المد في مقابلة الدرهم ، والدرهم في مقابلة المد جاز ، وكان كصفقتين متباينتين .
الضرب الثاني : أن يكون الربوي من الطرفين جنسين ، وفي الطرفين أو أحدهما شيء آخر ، فاختلفت علة الربا ، بأن باع درهما ودينارا بصاع حنطة وصاع شعير ، جاز . وإن اتفقت ، فإن كان التقابض شرطا في جميع العوضين ، بأن باع صاع حنطة أو صاع شعير ، بصاعي تمر ، أو بصاع تمر وصاع ملح ، جاز أيضا . وإن كان التقابض شرطا في البعض فقط ، بأن باع صاع حنطة ودرهما ، بصاعي شعير ، ففيه قولا الجمع بين مختلفي الحكم ؛ لأن ما يقابل الدرهم من الشعير ، لا يشترط فيه التقابض . وما يقابل الحنطة يشترط فيه .
[ ص: 388 ] فرع :
لو باع صاع حنطة بصاع حنطة ، وفيهما أو في أحدهما زوان ، أو عقد التبن ، أو مدر ، أو حبات شعير ، لم يجز . وضبط الإمام المنع ، بأن يكون الخليط قدرا لو ميز ظهر على المكيال ، فإن كان لا يظهر ، لم يضر ، ولو كان فيهما أو في أحدهما دقاق تبن ، أو قليل تراب ، لم يضر ؛ لأن ذلك يدخل في تضاعيف الحنطة ، ولا يظهر في المكيال ، بخلاف ما لو باع موزونا بجنسه وفيهما أو في أحدهما قليل تراب ، لا يجوز ؛ لأنه يؤثر في الوزن . ولو باع حنطة بشعير وفيهما أو في أحدهما حبات من الآخر يسيرة ; صح ، وإن كثر لم يصح ، قال الإمام : ولا يضبط ذلك بالتأثير في الكيل ، ولا بالتمول ، بل ضبط الكثير أن يكون الشعير المخالط للحنطة قدرا يقصد تمييزه ليستعمل شعيرا ، وكذا بالعكس .
فرع :
لو باع دارا بذهب ، فظهر فيها معدن ذهب ، أو باع دارا فيها بئر ماء بدار فيها بئر ماء ، وقلنا : الماء ربوي ، صح البيع في المسألتين على الأصح ؛ لأنه تابع ، والثاني : لا يصح ، كبيع دار موهت بذهب تمويها يحصل منه شيء بذهب .