فصل
في ضبط صحيح الشروط في البيع وفاسدها
قال الأصحاب : الشرط ضربان :
ما يقتضيه مطلق العقد ، وما لا يقتضيه . فالأول : كالإقباض والانتفاع ، والرد بالعيب ونحوها ، فلا يضر التعرض لها ولا ينفع . والثاني : قسمان : ما يتعلق بمصلحة العقد ، وما لا يتعلق . فالأول : قد يتعلق بالثمن ، كشرط الرهن والكفيل ، وقد يتعلق بالمثمن ، كشرط أن يكون
[ ص: 406 ] العبد خياطا ، أو كاتبا ، وقد يتعلق بهما ، كشرط الخيار . فهذه الشروط لا تفسد العقد ، وتصح في أنفسها . والقسم الثاني : نوعان . ما لا يتعلق به غرض يورث تنازعا ، وما يتعلق .
فالأول : كشرط أن لا يأكل إلا الهريسة ، ولا يلبس إلا الخز ، ونحو ذلك ، فهذا لا يفسد العقد ، بل يلغو ، هكذا قطع به الإمام ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي . وقال صاحب " التتمة " : لو
شرط التزام ما ليس بلازم ، بأن باع بشرط أن يصلي النوافل ، أو يصوم شهرا غير رمضان ، أو يصلي الفرائض في أول أوقاتها ، فالبيع باطل ؛ لأنه ألزم ما ليس بلازم . ومقتضى هذا فساد العقد في مسألة الهريسة . والثاني : كشرطه أن لا يقبض ما اشتراه ، أو لا يتصرف فيه بالبيع والوطء ونحوهما ، وكشرط بيع آخر ، أو قرض ، وكشرط أن لا خسارة عليه في ثمنه إن باعه فنقص ، فهذه الشروط وأشباهها فاسدة تفسد البيع ، إلا الإعتاق على ما سبق .
فرع :
لا يجوز بيع الحمل ، لا من مالك الأم ، ولا من غيره . ولو باع حاملا بيعا مطلقا ، دخل الحمل في البيع . ولو باعها واستثنى حملها ، لم يصح البيع على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وحكى الإمام فيه وجهين . ولو كانت الأم لإنسان ، والحمل لآخر ، فباع الأم لمالك الحمل أو لغيره ، أو باع جارية حاملا بحر ، فالمذهب : أن البيع باطل ، وبه قطع الأكثرون . وقيل : يصح ، واختاره الإمام ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي . ولو باع جارية ، أو دابة بشرط أنها حامل ، فقولان . وقيل : وجهان . أظهرهما : يصح البيع . والثاني : لا يصح . وقيل : يصح في الجارية قطعا ، وهما مبنيان على أن الحمل يعلم ، أم لا . إن قلنا : لا ، لم يصح ، وإلا ،
[ ص: 407 ] صح . ولو قال : بعتك هذه الدابة وحملها ، أو هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن ، لم يصح على الأصح . وبه قال
ابن الحداد ، والشيخ
أبو علي ؛ لأنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم ، بخلاف البيع بشرط أنها حامل ، فإنه وصف تابع . وقال
أبو زيد : يصح ؛ لأنه يدخل عند الإطلاق ، فلا يضر ذكره كأساس الدار . ولو قال : بعتك الجبة بحشوها ، فقيل : هو على الخلاف . وقيل : يصح قطعا ؛ لأن الحشو داخل في مسمى الجبة ، فذكره تأكيد للفظ الجبة ، بخلاف الحمل ، فإذا قلنا بالبطلان في هذه الصور ، قال الشيخ
أبو علي : في صورة الجبة في صحة البيع في الظهارة والبطانة قولا تفريق الصفقة ، وفي صورة الدابة يبطل البيع في الجميع ؛ لأن الحشو يمكن معرفة قيمته . قال الإمام : هذا حسن . ولو باع حاملا وشرط وضعها لرأس الشهر ونحوه ، لم يصح البيع قطعا ، وبيض الطير كحمل الدابة والجارية في جميع ذلك . ولو باع شاة بشرط أنها لبون ، فطريقان . أصحهما : أنه على الخلاف في البيع بشرط الحمل ، لكن الصحة هنا أقوى . والطريق الثاني : يصح قطعا ؛ لأن هذا شرط صفة فيها لا يقتضي وجود اللبن فيها حالة العقد ، فهو كشرط الكتابة في العبد . فلو شرط كون اللبن في الضرع ، كان كشرط الحمل قطعا . ولو شرط كونها تدر كل يوم كذا رطلا من اللبن ، بطل البيع قطعا ؛ لأن ذلك لا ينضبط ، فصار كما لو شرط في العبد أن يكتب كل يوم عشر ورقات . ولو باع لبونا ، واستثنى لبنها ، لم يصح العقد على الصحيح ، كاستثناء حمل الجارية ، والكسب في بيع السمسم ، والحب في بيع القطن .
فرع :
ومن الشروط الصحيحة باتفاق ، أو على خلاف ، مسائل نشير إلى بعضها مختصرة .
[ ص: 408 ] منها البيع بشرط البراءة من العيوب .
ومنها : بيع الثمار بشرط القطع وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
ومنها : لو باع مكيلا أو موزونا أو مذروعا ، بشرط أن يكال بمكيال معين ، أو بوزن [ معين ] ، أو بذرع معين ، أو شرط ذلك في الثمن ، ففيه خلاف نشرحه في باب السلم إن شاء الله تعالى . وفي معناه ، تعيين رجل يتولى الكيل أو الوزن .
ومنها : لو
باع دارا واستثنى لنفسه سكناها ، أو دابة استثنى ظهرها ، إن لم يبين المدة ، لم يصح البيع قطعا ، وإن بينها ، لم يصح أيضا على الأصح .
ومنها : لو باع بشرط أن لا يسلم المبيع حتى يستوفي الثمن ، فإن كان مؤجلا ، بطل العقد . وإن كان حالا ، بني على أن البداءة بالتسليم بمن ؟ فإن جعلنا ذلك [ من ] مقتضى العقد ، لم يضر ذكره ، وإلا ، فيفسد العقد .
ومنها : لو قال : بعتك [ هذه ] الصبرة كل صاع بدرهم على أن أزيدك صاعا ، فإن أراد هبة صاع أو بيعه من موضع آخر ، فالعقد باطل ؛ لأنه شرط عقد في عقد . وإن أراد أنها إن خرجت عشرة [ آصع ] أخذت تسعة دراهم ، فإن كانت الصيعان مجهولة ، لم يصح ؛ لأنه لا يعلم حصة كل صاع . وإن كانت معلومة ، صح . فإن كانت عشرة ، فقد باع كل صاع وتسعا بدرهم ، ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، على أن أنقصك صاعا ، فإن أراد رد صاع إليه ، فهو فاسد . وإن أراد أنها إن خرجت تسعة آصع ، أخذت عشرة دراهم ، فإن كانت الصيعان مجهولة ، لم يصح ، وإن كانت معلومة ، صح . فإن كانت تسعة آصع ، فقد باع كل صاع بدرهم وتسع . وفيه وجه : أنه لا يصح مع العلم أيضا ؛ لقصور العبارة عن المحمل المذكور . ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم ، على أن أزيدك صاعا ، أو أنقصك ، ولم يبين إحدى الجهتين ، فهو فاسد .
[ ص: 409 ] ومنها : لو باع أرضا على أنها مائة ذراع ، فخرجت دون المائة ، فقولان . أظهرهما : صحة البيع . وقيل : يصح قطعا للإشارة ، وصار كالخلف في الصفة فعلى هذا ، للمشتري الخيار في الفسخ ، ولا يسقط بحط البائع من الثمن قدر النقص . وإذا أجاز ، يجيز بجميع الثمن على الأظهر ، وبقسطه على القول الآخر . ولو خرجت أكثر من مائة ، ففي صحة البيع القولان . فإن صححناه ، فالصحيح : أن للبائع الخيار . فإن أجاز ، كانت كلها للمشتري ، ولا يطالبه للزيادة بشيء . والوجه الآخر ، اختاره صاحب " التهذيب " : أنه لا خيار للبائع ، ويصح البيع في الجميع ، بجميع الثمن المسمى ، وينزل شرطه منزلة من شرط كون المبيع معيبا فخرج سليما ، لا خيار له . فإذا قلنا بالصحيح ، فقال المشتري : لا تفسخ ، فأنا أقنع بالقدر المشروط شائعا ولك الزيادة ، لم يسقط خيار البائع على الأظهر . ولو قال : لا تفسخ لأزيدك في الثمن لما زاد ، لم يكن له ذلك ، ولم يسقط به خيار البائع بلا خلاف . ويقاس بهذه المسألة ما إذا باع الثوب على أنه عشرة أذرع ، أو القطيع على أنه عشرون شاة ، أو الصبرة على أنها ثلاثون صاعا ، وحصل نقص أو زيادة . وفرق صاحب " الشامل " بين الصبرة وغيرها ، فقال : إن زادت الصبرة ، رد الزيادة . وإن نقصت وأجاز المشتري ، أجاز بالحصة ، وفيما سواها يجيز بجميع الثمن .
ومنها : لو قال : بع عبدك من زيد بألف على أن علي خمسمائة ، فباعه على هذا الشرط ، لم يصح البيع على الأصح . والثاني : يصح ويجب على زيد ألف ، وعلى الآمر خمسمائة ، كما لو قال : ألق متاعك في البحر على أن علي كذا .
[ ص: 410 ]