فصل
يلزم كل واحد من المتبايعين تسليم العوض الذي يستحقه الآخر . فإن قال كل : لا أسلم حتى أقبض ما أستحقه ، فأربعة أقوال . أحدها : يلزم الحاكم كل واحد بإحضار ما عليه ، فإذا أحضر ، سلم الثمن إلى البائع ، والمبيع إلى المشتري ، يبدأ بأيهما شاء ، أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك . والثاني : لا يجبر واحدا منهما ، بل يمنعهما من التخاصم . فإذا سلم أحدهما ، أجبر الآخر . والثالث : يجبر المشتري . وأظهرهما : يجبر البائع . وقيل : يجبر البائع قطعا ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14847الشيخ أبو حامد . هذا إذا كان الثمن في الذمة ، فإن كان معينا سقط القول الثالث .
قلت : الذي قطع به الجمهور وهو المذهب : أنه يسقط الرابع أيضا ، كما إذا باعه عرضا بعرض ; لأن الثمن يتعين بالتعيين عندنا . والله أعلم .
وإن تبايعا عرضا بعرض ، سقط القول الرابع أيضا ، وبقي الأولان . أظهرهما : يجبران ، وبه قطع في الشامل . فإذا قلنا : يجبر البائع أولا ، أو قلنا : لا يجبر ، فتبرع ، وسلم أولا ، أجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضرا في المجلس ، وإلا فللمشتري حالان .
[ ص: 525 ] أحدهما : أن يكون موسرا ، فإن كان ماله في البلد ، حجر عليه أن يسلم الثمن ، لئلا يتصرف في أمواله بما يبطل حق البائع . وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي وجها : أنه لا يحجر عليه ، ويمهل إلى أن يأتي بالثمن . ولم أر هذا الوجه على هذا الإطلاق لغيره . فإذا قلنا بالمذهب المعروف ، قال جماهير الأصحاب : يحجر عليه في المبيع وسائر أمواله . وقيل : لا يحجر في سائر أمواله إن كان ماله وافيا بديونه . وعلى هذا ، هل يدخل المبيع في الاحتساب ؟ وجهان . أشبههما : يدخل .
قلت : هذا الحجر يخالف الحجر على المفلس من وجهين ، أحدهما : أنه لا يسلط على الرجوع إلى عين المال . والثاني : أنه لا يتوقف على ضيق المال عن الوفاء . واتفقوا على أنه إذا كان محجورا عليه بالفلس ، لم يحجر أيضا هذا الحجر ، لعدم الحاجة إليه . والله أعلم .
وإن كان ماله غائبا عن البلد ، نظر ، إن كان على مسافة القصر ، لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره . وفيما يفعل وجهان . أحدهما : يباع في حقه ويودى من ثمنه . وأصحهما عند الأكثرين : أن له فسخ البيع لتعذر تحصيل الثمن ، كما لو أفلس المشتري بالثمن . فإن فسخ ، فذاك ، وإن صبر إلى الإحضار ، فالحجر على ما سبق . وقال
ابن سريج : لا فسخ ، بل يرد المبيع إلى البائع ، ويحجر على المشتري ، ويمهل إلى الإحضار ، وزعم في " الوسيط " أنه الأصح ، وليس كذلك . وإن كان دون مسافة القصر ، فهل هو كالذي في البلد ، أو كالذي على مسافة القصر ؟ وجهان .
قلت : أصحهما الأول ، وبه قطع في " المحرر " . والله أعلم .
الحال الثاني : أن يكون معسرا ، فهو مفلس ، والبائع أحق بمتاعه ، هذا هو الصحيح المنصوص . وفيه وجه ضعيف : أنه لا فسخ ، بل تباع السلعة ويوفى من ثمنها حق البائع ، فإن فضل شيء ، فللمشتري .
[ ص: 526 ] فرع
جميع ما ذكرناه من الأقول والتفريع ، جار فيما إذا اختلف المكري والمستأجر في الابتداء بالتسليم بلا فرق .
فرع
هنا أمر مهم ، وهو أن طائفة توهمت أن الخلاف في الابتداء بالتسليم ، خلاف في أن البائع ، هل له حق الحبس ، أم لا ؟ إن قلنا : الابتداء بالبائع ، فليس له حبس المبيع لاستيفاء الثمن ، وإلا فله .
ونازع الأكثرون فيه ، وقالوا : هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان نزاعهما في مجرد الابتداء ، وكان كل واحد يبذل ما عليه ، ولا يخاف فوت ما عند صاحبه . فأما إذا
لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من تعذر الثمن ، فله ذلك بلا خلاف ، وكذلك للمشتري
حبس الثمن خوفا من تعذر المبيع . وبهذا صرح الشيخ
أبو حامد ،
والماوردي .
والمثبتون من المتأخرين قالوا : وإنما يحبس البائع المبيع إذا كان الثمن حالا . أما المؤجل فليس له الحبس به ، لرضاه بتأخيره . ولو لم يتفق التسليم حتى حل الأجل ، فلا حبس أيضا . ولو تبرع بالتسليم ، لم يكن له رده إلى حبسه ، وكذا لو أعاره للمشتري على الأصح . ولو أودعه إياه ، فله ذلك . ولو صالح من الثمن على مال ، فله إدامة حبسه لاستيفاء العوض . ولو اشترى بوكالة اثنين شيئا ، ووفى نصف الثمن عن أحدهما ، لم يلزم البائع تسليم النصف ، بناء على أن الاعتبار بالعاقد . ولو باع بوكالة اثنين ، فإذا قبض نصيب أحدهما من الثمن ، لزم تسليم النصف ، كذا قاله في " التهذيب " وينبغي أن يجيء وجه في لزوم تسليم النصف من الوجهين السابقين
[ ص: 527 ] في باب [ تفريق ] الصفقة ، أن البائع إذا قبض بعض الثمن ، هل يلزمه تسليم قسطه من المبيع ؟ ووجه في جواز أخذ الوكيل لأحدهما وحده من الوجهين في العبد المشترك إذا باعاه ، هل لأحدهما أن يتفرد بأخذ نصيبه .