فصل
لو قال :
اشتريت بمائة ، وباعه مرابحة ، ثم بان أنه اشتراه بتسعين بإقراره أو ببينة ، فالبيع صحيح على الصحيح . فعلى هذا ، كذبه ضربان ، خيانة ، وغلط . وفي الضربين قولان . أظهرهما : يحكم بسقوط الزيادة وحصتها من الربح . والثاني : لا تسقط . فإن قلنا بالسقوط ، ففي ثبوت الخيار للمشتري طريقان . أصحهما : على قولين . أظهرهما : لا خيار . والثاني : يثبت . والطريق الثاني : إن بان كذبه بالبينة ، فله الخيار . وإن بان بالإقرار ، فلا ؛ لأنه إذا ظهر بالبينة ، لا يؤمن خيانة أخرى ، والإقرار يشعر بالأمانة . فإن قلنا : لا خيار ، أو قلنا به ، فأمسك بما بقي بعد الحط ، فهل للبائع خيار ؟ وجهان . وقيل : قولان . أصحهما : لا . وقيل الوجهان في صورة الخيانة .
وأما في صورة الغلط ، فله الخيار قطعا . وإن قلنا بعدم السقوط ، فللمشتري الخيار ، إلا أن يكون عالما بكذب البائع ، فيكون كمن اشترى معيبا وهو يعلمه . وإذا ثبت الخيار ، فقال البائع : لا تفسخ ، فإني أحط عنك الزيادة ، ففي سقوط خياره وجهان . وجميع ما ذكرناه ، إذا كان المبيع باقيا . فأما إذا ظهر الحال بعد هلاك المبيع ، فقطع
الماوردي بسقوط الزيادة وربحها . والأصح : طرد القولين .
قلت : هذا الذي قطع به
الماوردي ، نقله صاحب " المهذب "
والشاشي عن أصحابنا مطلقا . والله أعلم .
فإن قلنا بالسقوط ، فلا خيار للمشتري . وأما البائع ، فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة ، فكذا هنا ، وإلا ، فيثبت هنا ، وإن قلنا بعدم السقوط ، فهل للمشتري الفسخ ؟ وجهان .
أصحهما : لا ، كما لو
علم العيب بعد [ ص: 536 ] تلف المبيع ، لكن يرجع بقدر التفاوت وحصته من الربح ، كما يرجع بأرش العيب . ولو اشتراه بمؤجل فلم يبين الأجل ، لم يثبت في حق المشتري الثاني ، ولكن له الخيار ، وكذا إذا ترك شيئا آخر مما يجب ذكره . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : إذا لم يخبر عن العيب ، ففي استحقاق حط قدر التفاوت القولان في الكذب - ولم أر لغيره تعرضا لذلك - فإن ثبت الخلاف ، فالطريق على قول الحط النظر إلى القيمة وتقسيط الثمن عليها .
قلت : المعروف في المذهب : أنه لا حط بذلك ، ويندفع الضرر عن المشتري بثبوت الخيار . والله أعلم .
فرع
إذا كذب بالنقصان فقال : كان الثمن ، أو رأس المال ، أو ما قامت به السلعة مائة ، وباع مرابحة ، ثم قال : غلطت ، إنما هو مائة وعشرة ، فينظر ، إن صدقه المشتري ، فوجهان . أحدهما : يصح البيع ، كما لو غلط بالزيادة ، وبه قطع
الماوردي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي في الوجيز ، وأصحهما عند
الإمام والبغوي : لا يصح ، لتعذر إمضائه .
قلت : الأول أصح ، وبه قطع
المحاملي ،
والجرجاني ، وصاحب " المهذب " ،
والشاشي ، وخلائق . والله أعلم .
فإن قلنا بالأول ، فالأصح أن الزيادة لا تثبت ، لكن للبائع الخيار . والثاني : أنها تثبت مع ربحها ، وللمشتري الخيار . وإن كذبه المشتري ، فله حالان . أحدهما : أن لا يبين للغلط وجها محتملا ، فلا يقبل [ قوله ] ، ولو أقام بينة ، لم تسمع . فلو زعم أن المشتري عالم بصدقه ، وطلب تحليفه أنه لا يعلم ، فهل له ذلك ؟ وجهان .
[ ص: 537 ]
قلت : أصحهما : له تحليفه ، وبه قطع
المحاملي في المقنع وغيره . والله أعلم .
فإن قلنا : يحلفه ، فنكل ، ففي رد اليمين على المدعي ، وجهان .
قلت : أصحهما : ترد . والله أعلم .
وإذا قلنا : يحلف المشتري ، حلف على نفي العلم ، فإن حلف ، أمضي العقد على ما حلف عليه . وإن نكل ، ورددنا اليمين ، فالبائع يحلف على القطع . وإذا حلف ، فللمشتري الخيار بين إمضاء العقد بما حلف عليه ، وبين الفسخ ، كذا أطلقوه . ومقتضى قولنا : إن اليمين المردودة مع نكول المدعى عليه كالإقرار ، أن يعود فيه ما ذكرنا في حالة التصديق
الحال الثاني : أن يبين للغلط وجها محتملا ، بأن يقول : إنما اشتراه وكيلي وأخبرت أن الثمن مائة فبان خلافه ، أو ورد علي منه كتاب فبان مزورا ، أو كنت راجعت جريدتي ، فغلطت من ثمن متاع إلى غيره ، فتسمع دعواه للتحليف . وقيل بطرد الخلاف في التحليف . فإن قلنا : لا يحلف ، لم تسمع بينته ، وإلا سمعت على الأصح .