اللفظ السادس : الثمار ، وهي تباع بعد بدو الصلاح وقبله .
الحالة الأولى : إذا
بيعت بعد بدو الصلاح ، جاز مطلقا ، وبشرط إبقائها إلى وقت الجداد ، وبشرط القطع ، سواء كانت الأصول للبائع ، أم للمشتري ، أم لغيرهما . فإن أطلق ، فله الإبقاء إلى وقت الجداد ، ولا يجوز بيع الثمار بعد الصلاح مع ما يحدث بعدها . الثانية : إذا
بيعت قبل بدو الصلاح ، فإما أن تباع مفردة عن الشجر ، وإما معه .
الضرب الأول : المفردة . وللأشجار صورتان . إحداهما : أن تكون للبائع [ الغلة أو للمشتري ] أو لغيرهما . فلا يجوز بيع الثمار مطلقا ، ولا بشرط الإبقاء ، ويجوز بشرط القطع بالإجماع . ولو كانت الكروم في بلاد شديدة البرد بحيث لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة ، واعتاد أهلها قطع الحصرم ، فوجهان . قال
القفال : يجوز بيعها بغير شرط القطع ، ويكون المعتاد كالمشروط . ومنع الأكثرون ذلك . ويجري الخلاف فيما لو جرت عادة قوم بانتفاع المرتهن
[ ص: 556 ] بالمرهون ، حتى تنزل عادتهم على رأي منزله شرط الانتفاع ، ويحكم بفساد الرهن . ولو باع بشرط القطع ، وجب الوفاء به . فلو تراضيا على تركه ، فلا بأس ، ويكون بدو الصلاح ، ككبر العبد الصغير . وإنما يجوز البيع بشرط القطع ، إذا كان المقطوع منتفعا به ، كالحصرم واللوز ونحوهما . فأما ما لا منفعة فيه ، كالجوز والكمثرى ، فلا يصح بيعه بشرط القطع أيضا .
الصورة الثانية : أن تكون الأشجار للمشتري ، بأن يبيع إنسانا شجرة ، وتبقى الثمرة له ، ثم يبيعه الثمرة ، أو يوصي لإنسان بالثمرة فيبيعها لصاحب الشجرة ، ففي اشتراط القطع ، وجهان .
أصحهما عند الجمهور : يشترط ، ولكن لا يلزمه الوفاء بالشرط هنا ، بل له الإبقاء ، إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره عن أشجاره ولو باع شجرة عليها ثمرة مؤبرة ، فبقيت للبائع ، فلا حاجة إلى شرط القطع ; لأن المبيع هو الشجرة ، وهي غير متعرضة للعاهات ، والثمرة مملوكة له بحكم الدوام . ولو كانت الثمرة غير مؤبرة ، فاستثناها لنفسه ، ففي وجوب شرط القطع وجهان .
أصحهما : لا يجب ؛ لأنه في الحقيقة استدامة لملكها . فعلى هذا ، له الإبقاء إلى وقت الجداد . ولو صرح بشرط الإبقاء ، جاز . والثاني : يجب ، ولا يصح التصريح بالإبقاء .
قلت : قال الإمام : إذا قلنا : يجب شرط القطع ، فأطلق ، فظاهر كلام الأصحاب أن الاستثناء باطل ، والثمرة للمشتري . قال : وهذا مشكل ، فإن صرف الثمرة إليه مع التصريح باستثنائها محال . قال : فالوجه عد الاستثناء المطلق شرطا فاسدا مفسدا للعقد في الأشجار ، كاستثناء الحمل . والله أعلم .
الضرب الثاني : أن
تباع الثمرة مع الشجر ، فيجوز من غير شرط القطع ، بل لا يجوز شرط القطع .
قلت : لو قطع شجرة عليها ثمرة ثم باع الثمرة وهي عليها ، جاز من غير شرط القطع ; لأن الثمرة لا تبقى عليها ، فيصير كشرط القطع . والله أعلم .
[ ص: 557 ] فرع
لا يشترط للاستغناء عن شرط القطع بدو الصلاح في كل عنقود ، بل إذا
باع ثمرة شجرة واحدة بدا الصلاح في بعضها ، صح من غير شرط القطع . ولو
باع ثمار أشجار بدا الصلاح في بعضها ، نظر ، إن اختلف الجنس ، لم يغير بدو الصلاح في جنس حكم جنس آخر . فلو
باع رطبا وعنبا بدا الصلاح في أحدهما فقط ، وجب شرط القطع في الآخر . وإن اتحد الجنس ، فالكلام في اتحاد البستان وتعدده . وإذا اتحد ، ففي بيعها صفقة واحدة وإفراد ما لم يبد فيه الصلاح بالبيع . وحكم الأقسام كلها على ما سبق في التأبير بلا فرق ، حتى أن الأصح : أنه لا تبعية عند الإفراد ، وأنه لا أثر لاختلاف النوع ، وأنه لا يتبع بستان بستانا . ولو بدا الصلاح في ملك غير البائع ، ولم يبد في ملكه ، فإن كانا في بستانين ، فلا عبرة به قطعا ، وكذا إن كانا في بستان واحد على الأصح . ويجري الوجهان فيما لو أبر ملك غير البائع في بستان واحد . والأصح : أنه لا يكون للمبيع حكم المؤبر .
فرع
يحصل
بدو الصلاح بظهور النضج ، ومبادئ الحلاوة ، وزوال العفوصة أو الحموضة المفرطتين ، وذلك فيما لا يتلون ، بأن يتموه ويلين ، وفيما يتلون ، بأن يحمر
[ ص: 558 ] أو يصفر أو يسود ، وهذه الأوصاف وإن عرف بها بدو الصلاح ، فليس واحد منها شرطا فيه ; لأن القثاء لا يتصور فيه شيء منها ، بل يستطاب أكله صغيرا وكبيرا . وإنما بدو صلاحه ، أن يكبر بحيث يجنى في الغالب ويؤكل ، وإنما يؤكل في الصغر على الندور . وكذا الزرع ، لا يتصور فيه شيء منها ، وبدو صلاحه باشتداد الحب . قال صاحب " التهذيب " : بيع أوراق الفرصاد قبل تناهيها ، لا يجوز إلا بشرط القطع ، وبعده يجوز مطلقا وبشرط القطع . والعبارة الشاملة أن يقال : بدو الصلاح في هذه الأشياء ، ضرورتها إلى الصفة التي تطلب غالبا لكونها على تلك الصفة .