فصل
إذا
باع الثمرة بعد [ بدو ] الصلاح ، لزمه سقيها قبل التخلية وبعدها بقدر ما تنمى به الثمار وتسلم من التلف والفساد . فلو شرط كون السقي على المشتري ، بطل البيع ، ثم المشتري يتسلط على التصرف في الثمرة بعد تخلية البائع بينه وبينها من كل وجه . فإن عرضت جائحة من حر أو برد ، أو جراد ، أو حريق ، أو نحوها قبل التخلية ، فهي من ضمان البائع . فإن
تلف جميع الثمار انفسخ البيع . وإن تلف بعضها انفسخ فيه . وفي الباقي قولا التفرق . وإن عرضت بعدها ، فإن كان باعها بعد بدو الصلاح ، فقولان . الجديد الأظهر : أن
الجوائح من ضمان المشتري . والقديم : أنها من ضمان البائع . ولا فرق على القولين بين أن يشرط القطع ، أم لا . وقيل : إن شرطه ، كانت من ضمان المشتري قطعا ، لتفريطه ، ولأنه لا علقة بينهما ، إذ لا يجب السقي على البائع هنا ، وحكي هذا عن
القفال . وقيل : إن شرطه ، كانت من ضمان البائع قطعا ; لأن ما شرط قطعه ، فقبضه بالقطع والنقل ، فقد تلفت قبل القبض .
ويتفرع على كونها من ضمان البائع فروع . أحدها : أن المحكوم بكونه من ضمان البائع ، ما تلف قبل وقت الجداد أما ما تلف بعد وقت الجداد وإمكان النقل ، فمن ضمان المشتري على الأظهر . وقيل : على الأصح لتقصيره . وعلى الثاني : من ضمان البائع ، لعدم التسليم التام . قال
[ ص: 565 ] الإمام : وهذا الخلاف إذا لم يعد مقصرا مضيعا بتأخيره ، كاليوم واليومين . فإن عد ، فلا مساغ للخلاف .
الثاني : لو تلف بعض الثمر ، فالحكم على هذا القول كما لو تلف قبل التخلية . ولو عابت الثمرة بالجائحة ، ثبت الخيار على هذا القول ، كما
[ لو ] عابت قبل التخلية . وعلى الجديد : لا يثبت .
الثالث : لو
ضاعت الثمرة بغصب أو سرقة ، فالمذهب : أنها من ضمان المشتري ، وبه قطع الأكثرون . وقيل : على القولين فالجائحة ، وبه قطع العراقيون .
قلت : إذا قلنا بالقديم ، فاختلفا في الفائت بالجائحة ، فقال البائع : ربع الثمرة . وقال المشتري : نصفها ، فالقول قول البائع ; لأن الأصل براءة ذمته وعدم الهلاك .
قال في " التتمة " : لو اختلفا في وقوع الجائحة ، فالغالب أنها لا تخفى ، فإن لم تعرف أصلا ، فالقول قول البائع بلا يمين . وإن عرف وقوعها عاما ، فالقول قول المشتري بلا يمين وإن أصابت قوما دون قوم ، فالقول قول البائع بيمينه ; لأن الأصل عدم الهلاك ولزوم الثمن . والله أعلم .
فرع
هذا الذي ذكرناه من القولين ، هو في الجوائح السماوية التي لا تنسب إلى البائع بحال . فأما إن
ترك السقي وعرضت في الثمار [ آفة ] بسبب العطش . فإن تلفت ، فالمذهب : القطع بانفساخ العقد . وقيل فيه القولان كالسماوية . فإن قلنا : لا انفساخ ، لزم البائع الضمان بالقيمة أو المثل . وإنما يضمن ما تلف ، ولا ينظر إلى ما كان ينتهي إليه لولا العارض . وإن تعيبت ، فللمشترى الخيار . وإن قلنا : الجائحة من ضمانه ; لأن الشرع ألزم البائع تنمية الثمار بالسقي ، فالتعيب الحادث بترك
[ ص: 566 ] السقي ، كالعيب المتقدم على القبض . وإن أفضى التعيب إلى تلف ، نظر ، إن لم يشعر به المشتري حتى تلف ، عاد الخلاف في الانفساخ ، ولزم البائع الضمان إن قلنا : لا انفساخ ولا خيار بعد التلف ، كذا قاله الإمام . وإن شعر به ولم يفسخ حتى تلف ، فوجهان . أحدهما : يغرم البائع ، لعدوانه . والثاني : لا ، لتقصير المشتري بترك الفسخ .
فرع
باع الثمر مع الشجر ، فتلف الثمر بجائحة قبل التخلية ، بطل العقد فيه . وفي الشجر القولان . وإن تلف بعد التخلية ، فمن ضمان المشتري بلا خلاف .
قلت : ولو كانت الثمرة لرجل ، والشجر لآخر ، فباعها لصاحب الشجرة ، وخلى بينهما ، ثم تلفت ، فمن ضمان المشتري بلا خلاف ، لانقطاع العلائق . والله أعلم .
فرع
اشترى طعاما مكايلة ، وقبضه جزافا ، فهلك في يده ، ففي انفساخ البيع وجهان ، لبقاء الكيل بينهما .
فرع
من العوارض ، اختلاط الثمار المبيع بغيرها لتلاحقها . فأما الاختلاط الذي يبقى معه التمييز ، فلا اعتبار به . وأما غيره ، فإذا
باع الثمرة بعد بدو الصلاح والشجرة تثمر في السنة مرتين ، نظر ، إن كان ذلك مما يغلب التلاحق فيه ، وعلم أن الحمل الثاني يختلط بالأول ، كالتين والبطيخ والقثاء والباذنجان ، لم يصح البيع ،
[ ص: 567 ] إلا أن يشرط أن المشتري يقطع ثمرته عند خوف الاختلاط . وفي قول أو وجه : أنه موقوف . فإن سمح البائع بما حدث ، تبين انعقاد البيع ، وإلا فلا . ثم إذا شرط القطع فلم يتفق حتى اختلط ، فهو كالتلاحق فيما يندر . وإن كان مما يندر فيه التلاحق ، وعلم عدم الاختلاط ، أو لم يعلم كيف يكون الحال ، فيصح البيع مطلقا ، وبشرط القطع والتبقية . ثم إن حصل الاختلاط ، فله حالان .
أحدهما : أن يحصل قبل التخلية ، فقولان . أحدهما : ينفسخ البيع ، لتعذر التسليم قبل القبض . وأظهرهما : لا ، لبقاء عين المبيع ، فعلى هذا ، يثبت للمشتري الخيار . وفي قول ضعيف : لا خيار . والاختلاط قبل القبض ، كهو بعده . ثم إن سمح البائع بترك الثمرة الجديدة للمشتري ، سقط خياره على الأصح كما سبق في نعل الدابة . وإن باع الثمرة قبل بدو الصلاح بشرط القطع ، فلم يتفق القطع حتى اختلطت ، جرى القولان في الانفساخ ، ويجريان فيما إذا باع حنطة فانصب عليها مثلها قبل القبض ، وكذا في المائعات . وإن اختلط الثوب بأمثاله ، أو الشاة المبيعة بأمثالها ، فالصحيح الانفساخ . وفي وجه : لا ، لإمكان تسليمه بتسليم الجميع . ولو باع جزة من القت بشرط القطع ، فلم يقطعها حتى طالت ، وتعذر التمييز ، جرى القولان . وقيل : لا ينفسخ هنا قطعا ، تشبيها لطولها بكبر الثمرة والشجرة ، وبنماء الحيوان ، وهو ضعيف ; لأن البائع يجبر على تسليم الأشياء المذكورة بزيادتها ، وهنا لا يجبر على تسليم ما زاد .
الحال الثاني : أن يحصل الاختلاط بعد التخلية ، فطريقان
أحدهما : القطع بعدم الانفساخ . وأصحهما عند الجمهور : أنه على القولين . فإن قلنا : لا انفساخ ، فإن تصالحا وتوافقا على شيء ، فذاك ، وإلا فالقول قول صاحب اليد في قدر حق الآخر . ولمن اليد في صورة الثمار ؟ فيه أوجه
أحدها : للبائع . والثاني : للمشتري . والثالث : لهما . وفي صورة الحنطة للمشتري ، فإن كان المشتري أودعه الحنطة بعد القبض ثم اختلطت ، فالقول قول البائع .
[ ص: 568 ] فرع
باع شجرة عليها ثمرة للبائع ، وهي مما تثمر في السنة مرتين ، ويغلب تلاحقها ، لا يصح البيع إلا بشرط قطع البائع ثمرته عند خوف الاختلاط ، ويجيء فيه الخلاف المذكور فيما إذا كان المبيع هو الثمرة . ثم إذا تبايع بهذا الشرط ، فلم يتفق القطع حتى اختلطا ، أو كانت الشجرة مما يندر فيها التلاحق والاختلاط ، فاتفق وقوعه ، فطريقان . قال الأكثرون : في الانفساخ القولان . وقيل : لا انفساخ قطعا . فإن قلنا : لا انفساخ ، فسمح البائع بترك الثمرة القديمة ، أجبر المشتري على القبول . وإن رضي المشتري بترك الثمرة الحادثة ، أجبر البائع على القبول وأقر العقد . ويحتمل خلاف في الإجبار ، فإن استمرا على النزاع ، فالمثبتون للقولين قالوا : يفسخ العقد . والقاطعون قالوا : لا فسخ ، بل أيهما كانت الثمرة والشجرة في يده ، فالقول قوله في قدر ما يستحقه الآخر . قال في " التهذيب " : هذا هو القياس ; لأن الفسخ لا يرفع النزاع ، لبقاء الثمرة الحادثة للمشتري . وإن قلنا بالانفساخ ، استرد المشتري الثمن ورد الشجرة مع جميع الثمار ، قاله في " التتمة " .