[ ص: 577 ] باب اختلاف المتبايعين [ وتحالفهما ]
إذا
اختلفا في قدر الثمن ، أو جنسه ، أو صفته ، أو شرط الخيار أو الأجل ، أو قدرهما ، أو في شرط الرهن أو الكفيل مع الاتفاق على عقد صحيح ، فإن كان لأحدهما بينة ، قضي بها . فإن أقاما بينتين وقلنا بالتساقط ، فكأنه لا بينة ، وإلا ، توقفنا إلى ظهور الحال . وإن لم تكن بينة تحالفا ، سواء كانت السلعة باقية أو تالفة ، وسواء اختلف المتبايعان أو ورثتهما ، وكذا لو اختلفا في قدر المبيع ، فقال البائع : بعتك العبد بألف ، فقال : بعتنيه مع الجارية بألفين ، تحالفا . فلو قال البائع : بعتك العبد ، فقال : بل الجارية ، واتفقا على الثمن ، فإن كان الثمن معينا ، تحالفا . وإن كان في الذمة ، فوجهان . أحدهما : يتحالفان ، قاله
ابن الحداد ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب ،
وابن الصباغ . والثاني : لا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14847الشيخ أبو حامد ، واختاره الإمام ، وصاحب " التهذيب " . فإن قلنا : لا تحالف ، حلف كل واحد على نفي ما ادعى عليه فقط ، ولا يتعلق بيمينيهما فسخ ولا انفساخ . ولو كانت بحالها وأقام كل واحد بينة توافقه ، سلمت الجارية للمشتري . وأما العبد ، فقد أقر البائع ببيعه ، وقامت البينة عليه . فإن كان في يد المشتري ، أقر عنده . وإن كان في يد البائع ، فوجهان . أحدهما : يسلم إلى المشتري ويجبر على قبوله . والثاني : لا يجبر ، بل يقبضه الحاكم وينفق عليه من كسبه . فإن لم يكن له كسب ، ورأى الحظ في بيعه وحفظ ثمنه ، فعل .
[ ص: 578 ] فرع
يجري
التحالف في جميع عقود المعاوضات ، كالسلم ، والإجارة والقراض ، والمساقاة ، والجعالة ، والصلح عن الدم ، والكتابة . ثم في البيع ونحوه يفسخ العقد بعد التحالف ، أو ينفسخ ويترادان ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . وفي الصلح عن الدم ، لا يعود استحقاقه ، بل أثر التحالف الرجوع إلى الدية ، وكذا لا يرجع البضع ، بل في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل . وفي الخلع يرجع إليه الزوج .
قال الإمام : إن قيل : أي معنى للتحالف في القراض ، مع أن لكل واحد فسخه بكل حال ، وقد منع
القاضي حسين التحالف في البيع في زمن الخيار ، لإمكان الفسخ بالخيار ؟
فالجواب : أن التحالف ما وضع للفسخ ، بل عرضت الأيمان رجاء أن ينكل الكاذب ، فيقرر العقد بيمين الصادق . فإن لم يتفق ذلك وأصرا ، فسخ العقد للضرورة . ونازع القاضي فيما ذكره ، ثم مال إلى موافقته ، ورأى في القراض أن يفصل فيقال : التحالف قبل الشروع في العمل لا معنى له ، وبعده يؤول النزاع إلى مقصود من ربح أو أجرة مثل ، فيتحالفان والجعالة كالقراض .
فرع
لو
قال : بعتك هذا بألف ، فقال : بل وهبتنيه ، فلا تحالف إذا لم يتفقا على عقد ، بل يحلف كل واحد على نفي ما يدعى عليه . فإذا حلفا ، لزم مدعي الهبة رده بزوائده على المشهور . وفي قول : القول قول مدعي الهبة . وشذ صاحب
[ ص: 579 ] " التتمة " فحكى وجها : أنهما يتحالفان ، وزعم أنه الصحيح . ولو قال : بعتكه بألف ، فقال : وهبتنيه ، حلف كل واحد على نفي ما ادعي عليه ، ورد الألف ، واسترد العين . ولو قال : وهبتكه بألف استقرضته ، فقال : بل بعتنيه ، فالقول قول المالك مع يمينه ، ويرد الألف ، ولا يمين على الآخر ، ولا يكون رهنا ؛ لأنه لا يدعيه .