[ ص: 32 ] باب
القرض
هو مندوب إليه .
وأركانه أربعة . العاقدان ، والصيغة ، والشيء المقرض ، فلا يصح إلا من أهل التبرع . وأما الصيغة ، فالإيجاب لا بد منه ، وهو أن يقول : أقرضتك ، أو أسلفتك ، أو خذه هذا بمثله ، أو خذ هذا واصرفه في حوائجك ورد بدله ، أو ملكتك على أن ترد بدله ، فلو اقتصر على " ملكتكه " فهو هبة ، فإن اختلفا في ذكر البدل ، فالقول قول الآخذ .
قلت : وحكي وجه : أن القول قول الدافع ، وهو متجه . وفي " التتمة " وجه : أن الاقتصار على " ملكتكه " قرض . والله أعلم .
وأما القبول ، فشرط على الأصح ، وبه قطع الجمهور . وادعى إمام الحرمين أن عدم الاشتراط أصح .
قلت : وقطع صاحب " التتمة " بأنه لا يشترط الإيجاب ، ولا القبول ، بل إذا قال لرجل : أقرضني كذا ، أو أرسل إليه رسولا ، فبعث إليه المال ، صح القرض . وكذا
قال رب المال : أقرضتك هذه الدراهم ، وسلمها إليه ، ثبت القرض . والله أعلم .
وأما الشيء المقرض ، فالمال ضربان .
أحدهما : يجوز السلم فيه ، فيجوز إقراضه حيوانا كان ، أو غيره . لكن إن كان جارية ، نظر ، إن كانت محرما للمستقرض ، بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة ، جاز إقراضها قطعا . وإن كانت حلالا لم يجز على الأظهر المنصوص قديما وجديدا .
[ ص: 33 ] قلت : هذا الذي جزم به من جواز
إقراض المحرم ، هو الذي قطع به الجماهير . وقال في " الحاوي " ، إن كانت ممن لا يستبيحها المستقرض ، بأن اقترضها محرم ، أو امرأة ، فوجهان . قال البغداديون : يجوز . وقال البصريون : لا يجوز ويصرن جنسا لا يجوز قرضه . والله أعلم .
الضرب الثاني : ما لا يجوز السلم فيه ، فجواز إقراضه يبنى على أن الواجب في المتقومات رد المثل أو القيمة ، إن قلنا بالأول لم يجز . وبالثاني ، جاز . وفي إقراض الخبز ، وجهان ، كالسلم فيه . أصحهما في " التهذيب " : لا يجوز . واختار صاحب " الشامل " وغيره : الجواز . وأشار في " البيان " إلى ترتيب الخلاف ، إن جوزنا السلم ، جاز هنا ، وإلا فوجهان . قال : فإن جوزناه ، رد مثله وزنا إن أوجبنا في المتقومات المثل . وإن أوجبنا القيمة ، وجبت هنا . فإن شرط المثل فوجهان .
قلت : قطع صاحب " التتمة "
والمستظهري ، بجواز قرضه وزنا . واحتج صاحبا " الشامل " و " التتمة " بإجماع أهل الأمصار على فعله في الأعصار بلا إنكار ، وهو مذهب
أحمد رضي الله عنه ،
وأبي يوسف ،
ومحمد ، وذكر صاحب " التتمة " وجهين في
إقراض الخمير الحامض . أحدهما : الجواز ، لاطراد العادة .
وفي فتاوى
القاضي حسين : لا يجوز إقراض الروبة ; لأنها تختلف بالحموضة . قال : ولا يجوز
إقراض المنافع ; لأنه لا يجوز السلم فيها ، ولا
إقراض ماء القناة ; لأنه مجهول . والله أعلم .
فرع
يشترط أن يكون المقرض معلوم القدر ، ويجوز
إقراض المكيل وزنا وعكسه [ ص: 34 ] كالسلم . وقال
القفال : لا يجوز إقراض المكيل وزنا ، بخلاف السلم ، فإنه لا يشترط فيه استواء العوضين . وزاد فقال : لو أتلف مائة رطل حنطة ، ضمنها بالكيل . ولو باع شقصا بمائة رطل حنطة ، أخذ الشفيع بمثلها كيلا . والأصح في الجميع : الجواز .