فصل
الرهن أمانة في يد المرتهن ، لا يسقط بتلفه شيء من الدين ، ولا يلزمه ، ضمانه إلا إذا تعدى فيه . وإذا برئ الراهن من الدين بأداء أو إبراء أو حوالة ، بقي الرهن أمانة في يد المرتهن ، ولا يصير مضمونا إلا إذا امتنع من الرد بعد المطالبة . وقال
ابن الصباغ : ينبغي أن يكون المرتهن بعد الإبراء ، كمن طيرت الريح ثوبا إلى داره ، فيعلم المرتهن به ، أو يرده ; لأنه لم يرض بيده إلا على سبيل الوثيقة .
فرع
كل عقد اقتضى صحيحه الضمان ، فكذلك فاسده . وما لا يقتضي صحيحه الضمان ، فكذا فاسده . أما الأول : فلأن الصحيح إذا أوجب الضمان ، فالفاسد أولى . وأما الثاني : فلأن إثبات اليد عليه بإذن المالك ، ولم يلتزم بالعقد ضمانا .
فرع
لو
أعار الراهن المرهون للمرتهن لينتفع به ، ضمنه المرتهن ، ولو رهنه أرضا ، وأذن له في غراسها بعد شهر ، فهي بعد الشهر عارية ، غرس ، أم لا ؟ وقبله أمانة ، حتى لو غرس قبله قلع .
[ ص: 97 ] فرع
رهنه مالا على أنه إذا حل الأجل ، فهو مبيع له ، أو على أنه مبيع له بعد شهر ، فالبيع والرهن باطلان ، ويكون المال أمانة في يده قبل دخول وقت البيع ، وبعده مضمون ; لأن البيع عقد ضمان . وفي وجه : إنما يصير مضمونا ، إذا أمسكه على سبيل الشراء . أما إذا أمسكه على موجب الدين ، فلا ، والصحيح : الأول . فلو كان أرضا ، فغرس فيها المرتهن ، أو بنى قبل وقت البيع ، قلع مجانا ، وكذا لو غرس بعده عالما بفساد البيع . وإن كان جاهلا لم يقلع مجانا ، لوقوعه بإذن المالك وجهله التحريم ، فيكون حكمه كما لو غرس المستعير ورجع المعير .
فرع
إذا
ادعى المرتهن تلف المرهون في يده ، قبل قوله مع يمينه . وإن ادعى رده إلى الراهن ، قال العراقيون : القول قول الراهن مع يمينه ; لأنه أخذه لمنفعة نفسه ، فأشبه المستعير ، بخلاف دعوى التلف ، فإنه لا يتعلق بالاختيار ، فلا تساعده فيه البينة . قالوا : وكذا حكم المستأجر إذا ادعى الرد ، ويقبل قول المودع والوكيل بغير جعل مع يمينهما . لأنهما أمينان متمحضان . وفي الوكيل بجعل . والمضارب والأجير المشترك ، إذا لم نضمنه ، ذكروا وجهين . أصحهما : يقبل قولهم مع اليمين ; لأنهم أخذوا العين لمنفعة المالك ، وانتفاعهم بالعمل في العين ، لا بالعين ، بخلاف المرتهن والمستأجر . وهذه الطريقة ، هي طريقة أكثر الأصحاب ، لاسيما قدماؤهم ، وتابعهم
الروياني . وقال بعض الخراسانيين من المراوزة وغيرهم : كل أمين يصدق في دعوى الرد ، كالتلف . فقد اتفقوا في الطرق ، على تصديق جميعهم في دعوى التلف . وفي عبارة
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ما يقتضي خلافا فيه ، وليس هو كذلك قطعا .
[ ص: 98 ] فرع
لو
رهن الغاصب المغصوب عند إنسان ، فتلف في يد المرتهن ، فللمالك تضمين الغاصب . وفي تضمينه المرتهن ، طريقان . قال العراقيون : فيه وجهان .
أحدهما : لا ; لأن يده يد أمانة . وأصحهما : يضمن ، لثبوت يده على ما لم يأتمنه مالكه عليه . فعلى هذا ، وجهان . أحدهما : يستقر الضمان عليه ، لحصول التلف عنده ونزول التلف منزلة الإتلاف في الغصب . وأصحهما : يرجع على الغاصب لتغريره . والطريق الثاني : القطع بتضمينه وعدم الاستقرار ، قاله المراوزة ويجري الطريقان في المستأجر من الغاصب ، والمستودع ، والمضارب ، ووكيله في بيعه . وكل هذا إذا جهلوا الغصب ، فإن علموا ، فهم غاصبون أيضا ، والمستعير منه ، والمستام ، يطالبان ويستقر عليهما الضمان ; لأنها يد ضمان .
فرع
لو
رهن بشرط كونه مضمونا على المرتهن ، فسد الشرط والرهن ، ولا يكون مضمونا عليه لما سبق .
فرع
قال : خذ هذا الكيس واستوف حقك منه ، فهو أمانة في يده قبل أن يستوفي منه ، فإذا استوفى ، كان مضمونا عليه . ولو كان فيه دراهم ، فقال : خذه بدراهمك ، وكانت الدراهم التي فيه مجهولة القدر ، أو كانت أكثر من دراهمه لم يملكه ، ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد . وإن كانت معلومة وبقدر حقه ، ملكه . ولو قال :
[ ص: 99 ] خذ هذا العبد بحقك ، ولم يكن سلما ، فقبل ، ملكه . وإن لم يقبل وأخذه ، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد .