فصل
يحجر القاضي على المفلس بالتماس الغرماء الحجر عليه بالديون الحالة الزائدة على قدر ماله ، فهذه قيود .
الأول : الالتماس ، فلا بد منه . فليس للقاضي الحجر بغير التماس ; لأن الحق لهم . فلو
[ ص: 128 ] كانت الديون لمجانين أو صبيان ، أو محجور عليه بسفه ، حجر لمصلحتهم بلا التماس ، ولا يحجر لدين الغائبين ; لأنه لا يستوفي مالهم في الذمم ، إنما يحفظ أعيان أموالهم .
قلت : وإذا وجد الالتماس مع باقي الشروط المجوزة للحجر ، وجب على الحاكم الحجر ، صرح به أصحابنا
كالقاضي أبي الطيب ، وأصحاب " الحاوي " و " الشامل " و " البسيط " وآخرين . وإنما نبهت عليه ; لأن عبارة كثيرين من أصحابنا : " فللقاضي الحجر " ، وليس مرادهم أنه مخير فيه . والله أعلم .
القيد الثاني :
كون الالتماس من الغرماء ، فلو التمس بعضهم ودينه قدر يجوز الحجر به ، حجر ، وإلا ، فلا ، على الأصح . وإذا حجر ، لا يختص أثره بالملتمس ، بل يعمهم كلهم .
قلت : أطلق أبو الطيب وأصحاب " الحاوي " و " التتمة " و " التهذيب " : أنه إذا عجز ماله عن ديونه ، فطلب الحجر بعض الغرماء ، حجر ، ولم يعتبروا قدر دين الطالب ، وهذا قوي . والله أعلم .
ولو لم يلتمس أحد عنهم ، والتمسه المفلس ، حجر على الأصح ; لأن له غرضا .
القيد الثالث :
كون الدين حالا ، فلا حجر بالمؤجل وإن لم يف المال به ; لأنه لا مطالبة في الحال . فإن كان بعضه حالا ، فإن كان قدرا يجوز الحجر له
[ حجر ] وإلا ، فلا .
فرع
إذا حجر عليه بالفلس ، لا يحل ما عليه من الدين المؤجل على المشهور ; لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت . وفي قول : يحل كالموت . فعلى هذا القول ، لو لم يكن عليه إلا مؤجل هل يحجر عليه ؟ وجهان . الصحيح : لا . ولو جن وعليه مؤجل ،
[ ص: 129 ] حل على المشهور .
فإن قلنا بالحلول ، قسم المال بين أصحاب هذه الديون . وأصحاب الحالة من الابتداء ، كما لو مات . وإن كان في المؤجل ثمن متاع موجود عند المفلس ، فلبائعه الرجوع إلى عينه ، كما لو كان حالا في الابتداء . وفي وجه : أن فائدة الحلول ، أن لا يتعلق بذلك المتاع حق غير بائعه ، فيحفظه إلى مضي المدة . فإن وجد وفاء ، فذاك ، وإلا فحينئذ ينفسخ . وقيل : لا فسخ حينئذ أيضا . بل لو باع بمؤجل وحل الأجل ، ثم أفلس المشتري وحجر عليه ، فليس للبائع الفسخ والرجوع .
والأول : أصح . وإن قلنا بعدم الحلول ، بيع ماله ، وقسم على أصحاب الحال ، ولا يدخر لأصحاب المؤجل شيء ، ولا يدام الحجر عليه بعد القسمة لأصحاب المؤجل ، كما لا يحجر به ابتداء . وهل تدخل في البيع الأمتعة المشتراة بمؤجل ؟ وجهان . أصحهما : نعم ، كسائر أمواله ، وليس لبائعها تعلق بها ; لأنه لا مطالبة في الحال على هذا . فإن لم يتفق بيعها وقسمتها حتى حل الأجل ، ففي جواز الفسخ الآن وجهان .
قلت : أصحهما : الجواز ، قاله في " الوجيز " . والله أعلم .
والوجه الثاني : لا تباع ، فإنها كالمرهونة بحقوق بائعها ، بل توقف إلى انقضاء الأجل ، فإن انقضى والحجر باق ، ثبت حق الفسخ . وإن فك ، فكذلك ، ولا حاجة إلى إعادة الحجر على الصحيح ، بل عزلها وانتظار الأجل كبقاء الحجر بالإضافة إلى المبيع .
القيد الرابع :
كون الديون زائدة على أمواله . فلو كانت مساوية والرجل كسوب ينفق من كسبه ، فلا حجر . وإن ظهرت أمارات الإفلاس ، بأن لم يكن كسوبا ، وكان ينفق من ماله ، أو لم يف كسبه بنفقته ، فوجهان . أصحهما عند العراقيين : لا حجر ، واختار الإمام الحجر . ويجري الوجهان ، فيما إذا كانت
[ ص: 130 ] الديون أقل ، وكانت بحيث يغلب على الظن مصيرها إلى النقص أو المساواة ، لكثرة النفقة . وهذه الصورة أولى بالمنع . وإذا حجر عليه في صورة المساواة ، فهل لمن وجد عين ماله الرجوع ؟ وجهان . أحدهما : نعم ، لإطلاق الحديث . والثاني : لا ، لتمكنه من استيفاء الثمن بكماله . وهل تدخل هذه الأعيان في حساب أمواله ، وأثمانها في حساب ديونه ؟ وجهان . أصحهما : الإدخال .