فصل
في الاستحاضة
الاستحاضة : قد تطلق على كل دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس . سواء اتصل بالحيض المجاوز أكثره أم لم يتصل ، كالذي تراه لسبع سنين مثلا . وقد تطلق على المتصل به خاصة ، ويسمى غيره : دم فساد ، ولا تختلف الأحكام في جميع ذلك ، والخارج حدث دائم ، كسلس البول ، فلا يمنع
الصلاة والصوم ، ويجوز
وطؤها ، وإنما أثر الحدث الدائم : الاحتياط في الطهارة ، وإزالة النجاسة ، فتغسل المستحاضة فرجها قبل الوضوء أو التيمم ، وتحشوه بقطنة أو خرقة دفعا للنجاسة وتقليلا . فإن اندفع به الدم ، وإلا شدت مع ذلك خرقة في وسطها ، وتلجمت بأخرى مشقوقة الطرفين ، فكل هذا واجب ، إلا أن تتأذى بالشد أو تكون صائمة فتترك الحشو وتقتصر على الشد .
وسلس البول يدخل قطنة في إحليله ، فإن انقطع ، وإلا عصب مع ذلك رأس الذكر . ثم تتوضأ المستحاضة بعد الاحتياط الذي ذكرناه . ويلزمها تقديم هذا الاحتياط على الوضوء ، ويجب
الوضوء لكل فريضة ، ولها ما شاءت من النوافل بعد الفريضة ، ويجب أن تكون طهارتها بعد الوقت على الصحيح . وفي وجه شاذ : تجزئها الطهارة قبل الوقت إذا انطبق آخرها على أول الوقت . وينبغي لها أن تبادر بالصلاة عقب طهارتها . فإن تطهرت في أول الوقت ، وصلت في
[ ص: 138 ] آخره أو بعده . فإن كان تأخيرها لسبب الصلاة ، كالأذان ، والاجتهاد في القبلة ، وستر العورة ، وانتظار الجمعة والجماعة ونحوها ، لم يضر ، وإلا فثلاثة أوجه . الصحيح : المنع . والثاني : الجواز . والثالث : الجواز ما لم يخرج الوقت . أما تجديد غسل الفرج ، وحشوه ، وشده لكل فريضة ، فإن زالت العصابة عن موضعها زوالا له وقع ، أو ظهر الدم في جوانبها ، وجب التجديد . وإن لم تزل ، ولا ظهر الدم ، أو زالت زوالا يسيرا ، وجب التجديد على الأصح . وقيل : الأظهر . كما يجب
تجديد الوضوء ، ويجري الخلاف فيما لو أحدثت بريح ونحوه قبل أن تصلي ، فلو بالت ، وجب التجديد قطعا . ولو خرج منها الدم بعد الشد لغلبة الدم ، لم يبطل وضوؤها . وإن كان لتقصيرها في الشد ، بطل ، وكذا لو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد ، وزاد خروج الدم بسببه . ولو اتفق ذلك في صلاة ، بطلت ، وإن كان بعد فريضة ، حرم النفل بعدها .
فرع
طهارة المستحاضة تبطل بالشفاء ، وفي وجه شاذ : لو اتصل الشفاء بآخر الوضوء ، لم يبطل ، وليس بشيء . ولو شفيت في صلاة ، بطلت على المذهب . ومتى انقطع دمها وهي تعتاد الانقطاع والعود ، أو لا تعتاده ، لكن أخبرها به من يعتمد من أهل البصر ، نظر ، إن كانت مدة الانقطاع يسيرة لا تسع الطهارة والصلاة التي تطهرت لها ، فلها الشروع في الصلاة . فلو امتد الانقطاع ، بان بطلان الطهارة ، ووجب قضاء الصلاة . وإن كانت مدة الانقطاع تسع الطهارة والصلاة ، لزمها إعادة الوضوء بعد الانقطاع . فلو عاد الدم على خلاف العادة ، قبل الإمكان ، لم يجب إعادة الوضوء على الأصح . لكن لو شرعت في الصلاة بعد هذا الانقطاع ، ولم تعد الوضوء ، فعاد الدم قبل الفراغ ، وجب إعادة الصلاة على الأصح . أما إذا انقطع
[ ص: 139 ] دمها وهي لا تعتاد الانقطاع والعود ، ولم يخبرها أهل البصر بالعود ، فيجب إعادة الوضوء . فلو عاد الدم قبل إمكان الوضوء والصلاة ، فالأصح أن وضوءها السابق يبقى على صحته . والثاني : يجب إعادته . ولو خالفت أمرنا ، وشرعت في الصلاة من غير إعادة الوضوء بعد الانقطاع ، فإن لم يعد الدم ، لم تصح صلاتها ، لظهور الشفاء . وكذا إن عاد بعد مضي إمكان الطهارة والصلاة ، لتمكنها من الصلاة بلا حدث ، وكذا إن عاد قبل الإمكان على الأصح ، لترددها عند الشروع . ولو
توضأت عند انقطاع دمها وهي لا تدري أنه شفاء ، أم لا ؟ فسبيلها أن تنظر هل تعتاد الانقطاع ، وتجري على مقتضى الحالين كما بينا .
قلت : ولنا وجه شاذ : أن المستحاضة لا تستبيح النفل بحال . وإنما استباحت الفريضة مع الحدث الدائم للضرورة . والصواب المعروف أنها تستبيح
النوافل مستقلة ، وتبعا للفريضة ما دام الوقت باقيا ، وبعده أيضا على الأصح . والمذهب : أن طهارتها تبيح الصلاة ولا ترفع الحدث . والثاني : ترفعه . والثالث : ترفع الماضي دون المقارن والمستقبل . وإذا كان
دمها ينقطع في وقت ، ويسيل في وقت ، لم يجز أن تصلي وقت سيلانه ، بل عليها أن تتوضأ وتصلي في وقت انقطاعه ، إلا أن تخاف فوت الوقت ، فتتوضأ وتصلي في سيلانه . فإن كانت ترجو انقطاعه في آخر الوقت ، فهل الأفضل أن تعجل الصلاة في أول الوقت ، أم تؤخرها إلى آخره ؟ فيه وجهان مذكوران في ( التتمة ) ، بناء على القولين في مثله في التيمم . قال صاحب ( التهذيب ) لو كان
سلس البول ، بحيث لو صلى قائما سال بوله ، ولو صلى قاعدا ، استمسك ، فهل يصلي قائما ، أم قاعدا ؟ وجهان . الأصح : قاعدا حفظا للطهارة ، ولا إعادة عليه على الوجهين . والله أعلم .