الشرط الثاني للمعاوضة : أن تكون سابقة للحجر . وفي بعض مسائل هذا الشرط خلاف . فإذا اشترى المفلس شيئا بعد الحجر ، وصححناه ، فقد سبق في ثبوت الرجوع خلاف .
ولو أجر دارا وسلمها إلى المستأجر وقبض الأجرة ثم أفلس وحجر عليه فقد سبق أن الإجارة مستمرة ، فإن انهدمت في أثناء المدة ، انفسخت الإجارة فيما بقي ، وضارب المستأجر بحصة ما بقي منها إن كان الانهدام قبل قسمة المال بينهم . وإن كان بعدها ضارب أيضا على الأصح ، لاستناده إلى
[ ص: 155 ] عقد سبق الحجر ، فأشبه انهدامها قبل القسمة . ووجه المنع : أنه دين حدث بعد القسمة .
ولو باع جارية بعبد ، وتقابضا ، ثم أفلس مشتري الجارية وحجر عليه ، وهلكت في يده ، ثم وجد بائعها بالعبد عيبا ، فرده ، فله طلب قيمة الجارية لا محالة . وكيف يطالب ؟ وجهان . أصحهما : يضارب كغيره . والثاني : يقدم على الغرماء بقيمتها ; لأنه أدخل بدلها عبدا في المال ، ويخالف هذا من باعه شيئا ; لأن هذا حق مستند إلى ما قبل الحجر . وأما المعوض فيشترط في المبيع المرجوع فيه شرطان .
أحدهما : بقاؤه في ملك المفلس . فلو هلك بآفة أو جناية لم يرجع ، سواء كانت قيمته مثل الثمن ، أو أكثر ، وليس له إلا المضاربة بالثمن . وفي وجه : إن زادت القيمة ، ضارب بها واستفاد زيادة حصته . ولو خرج عن ملكه ببيع ، أو هبة ، أو إعتاق ، أو وقف ، كالهلاك ، وليس له فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع ، فإنه يفسخها . لسبق حقه عليها . ولو استولد ، أو كاتب ، فلا رجوع . ولو دبر ، أو علق بصفة ، أو زوجها ، رجع . وإن أجر ، فلا رجوع إن لم نجوز بيع المستأجر ، وإلا ، فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحق المستأجر ، وإلا ، فيضارب بالثمن ، وإن جنى ، أو رهن ، فلا رجوع . فإن قضى حق المجني عليه والمرتهن ببيع بعضه ، فالبائع واجد لبعض المبيع ، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى . ولو انفك الرهن ، أو برئ عن الجناية رجع . ولو كان المبيع صيدا فأحرم البائع لم يرجع .
فرع
لو زال ملك المشتري ، ثم عاد ، ثم حجر عليه ، فإن عاد بلا عوض ،
[ ص: 156 ] كالإرث ، والهبة ، والوصية ، ففي رجوعه وجهان . وإن عاد بعوض ، بأن اشتراه ، فإن كان دفع الثمن إلى البائع الثاني ، فكعوده بلا عوض . وإن لم يدفعه ، وقلنا بثبوته للبائع لو عاد بلا عوض ، فهل الأول أولى لسبق حقه ، أم الثاني لقرب حقه ، أم يشتركان ويضارب كل بنصف الثمن ؟ فيه أوجه .
قلت : أصح الوجهين أولا : أنه لا يرجع ، وبه قطع
الجرجاني في التحرير وغيره . قال
البغوي : ويجري الوجهان فيما لو رد عليه بعيب . والله أعلم .
وعجز المكاتب وعوده ، كانفكاك الرهن . وقيل : كعود الملك .
قلت :
لو كان المبيع شقصا مشفوعا ، ولم يعلم الشفيع حتى حجر على المشتري ، وأفلس بالثمن ، فأوجه . أحدها : يأخذه الشفيع ، ويؤخذ منه الثمن ، فيخص به البائع ، جمعا بين الحقين . والثاني يأخذه البائع ، وأصحهما عند
الشيخ أبي حامد ،
والقاضي أبي الطيب وآخرين : يأخذه الشفيع ، ويكون الثمن بين الغرماء كلهم . والله أعلم .
الشرط الثاني : أن لا يحدث في المبيع تغير مانع . وللتغير حالان . حال بالنقص ، وحال بالزيادة . الأول : النقص ، وهو قسمان ، أحدهما : نقص لا يتقسط الثمن عليه ، ولا يفرد بعقد كالعيب . فإن كان بآفة سماوية ، فالبائع بالخيار . إن شاء رجع فيه ناقصا ولا شيء له غيره ، وإن شاء ضارب بالثمن كتعيب المبيع في يد البائع ، وسواء كان النقص حسيا كسقوط بعض الأعضاء والعمى أو غيره ، كنسيان الحرفة والتزويج والإباق والزنا . وحكي قول : أنه يأخذ المعيب ، ويضارب بأرش النقص ، كما نذكره في القسم الثاني إن شاء الله تعالى . وهو شاذ ضعيف . وإن كان بجناية ، فإن كان بجناية أجنبي ، لزمه الأرش ،
[ ص: 157 ] إما مقدر ، وإما غير مقدر ، بناء على الخلاف ، في أن جرح العبد مقدر أم لا ؟ وللبائع أخذه معيبا ، والمضاربة بمثل نسبة ما نقص من القيمة من الثمن . وإن كان بجناية البائع ، فكالأجنبي . وإن كان بجناية المشتري فطريقان . أصحهما عند الإمام : أنه كالأجنبي ; لأن جناية المشتري قبض واستيفاء ، فكأنه صرف جزءا من المبيع إلى غرضه . والثاني وبه قطع صاحب التهذيب وغيره : أنه كجناية البائع على المبيع قبل القبض ، ففي قول كالأجنبي ، وعلى الأظهر كالآفة السماوية .
قلت : المذهب : أنه كالآفة السماوية ، وبه قطع جماعات . والله أعلم .