المستحاضة الثالثة :
المعتادة غير المميزة ، فترد إلى عادتها . ولها حالان . أحدهما : أن لا تختلف عادتها ، فإن
تكررت عادة حيضها وطهرها مرارا ، ردت إليها في قدر الحيض ، والطهر ، ووقتها . والصحيح : أنه لا فرق بين أن تكون عادتها ، أن تحيض أياما من كل شهر ، أو من كل سنة ، وأكثر . وقيل : لا يجوز أن يزيد الدور على تسعين يوما ، وسنعيد المسألة في النفاس إن شاء الله تعالى . وإن لم تتكرر . فالأصح : أن العادة تثبت بمرة . والثاني : لا بد من مرتين . والثالث : لا بد من ثلاث مرات . فلو كانت تحيض خمسا ، فحاضت في شهر ستا ، ثم استحيضت بعده ، فإن أثبتنا العادة بمرة ، ردت إلى الست ، وإلا ، فإلى الخمس . ثم المعتادة في الشهر الأول من شهور استحاضتها ، تتربص كالمبتدأة ، لجواز انقطاع دمها على خمسة عشر ، فإن جاوزها ، قضت صلوات ما وراء العادة . وأما الشهر الثاني وما بعده ، فتغتسل وتصلي وتصوم عند مضي العادة . ولا يجيء هنا قول الاحتياط المتقدم في المبتدأة ، لقوة العادة .
[ ص: 146 ] الحال الثانية : أن تختلف عادتها ، ولها صور .
منها : أن تستمر لها عادات مختلفة منتظمة بأن كانت تحيض في شهر ثلاثة ، ثم في شهر خمسة ، وفي شهر سبعة ، ثم في الرابع ثلاثة ، ثم في الخامس خمسة ، وفي السادس سبعة ، وهكذا أبدا ، فهل ترد بعد الاستحاضة إلى هذه العادة ؟
وجهان . أصحهما : ترد ، ويجري الوجهان ، سواء كانت عادتها منتظمة على هذا الترتيب ، أم على ترتيب آخر ، بأن كانت ترى خمسة ، ثم ثلاثة ، ثم سبعا ، ثم تعود الخمسة .
وسواء رأت كل قدر مرة ، كما ذكرنا ، أم مرتين ، بأن ترى في شهرين ثلاثة ثلاثة . وفي شهرين بعدهما خمسة خمسة ، وفي شهرين بعدهما سبعة سبعة . ثم محل الوجهين إذا تكررت العادة الدائرة . فأما إذا رأت الأقدار الثلاثة ، في ثلاثة أدوار ، ثم استحيضت في الرابع ، فلا خلاف أنها لا ترد إلى الأقدار ، لأنا إن أثبتنا العادة بمرة ، فالأخير ينسخ ما قبله ، وإن لم نثبتها بمرة ، فلأنه لم تتكرر الأقدار لتصير عادة ، ولهذا قال الأئمة : أقل ما تستقيم فيه العادة في المثال المذكور ستة أشهر ، فإن رأت هذه الأقدار مرتين ، فأقله سنة . ثم إذا قلنا : ترد إلى هذه العادة ، فاستحيضت عقب شهر الثلاثة ، ردت في أول شهور الاستحاضة إلى الخمسة . وفي الثاني : إلى السبعة . وفي الثالث : إلى الثلاثة . وإن استحيضت بعد شهر الخمسة ، ردت إلى السبعة ، ثم الثلاثة ، ثم الخمسة . وإن استحيضت بعد شهر السبعة ، ردت إلى الثلاثة ، ثم الخمسة ، ثم السبعة . وإن قلنا : لا ترد إليها ، فقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ثلاثة أوجه . أحدها : ترد إلى ما قبل الاستحاضة أبدا . والثاني : إلى القدر المشترك بين الحيضتين السابقتين للاستحاضة . فإن استحيضت بعد شهر الخمسة ، ردت إلى الثلاثة . والثالث : أنها كالمبتدأة . ولم أر هذه الأوجه بعد البحث لغيره ، ولا لشيخه ، بل المذهب والذي عليه الأصحاب في كل الطرق ، أنها ترد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة . وعلى هذا ، هل يجب عليها
[ ص: 147 ] الاحتياط فيما بين أقل العادات وأكثرها ؟ وجهان :
أصحهما : لا . كصاحبة العادة الواحدة ، فإنها لا تحتاط بعد الرد .
والثاني : يجب . فعلى هذا ، يجتنبها الزوج في المثال المذكور إلى انقضاء السبعة .
ثم إن استحيضت بعد شهر الثلاثة ، تحيضت من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم تغتسل ، وتصلي ، وتصوم . وتغتسل مرة أخرى في آخر الخمسة ، ومرة أخرى في آخر السبعة . وتقضي صوم السبعة دون صلاتها .
وإن استحيضت بعد شهر الخمسة ، تحيضت من كل شهر خمسة . ثم تغتسل ، وتصلي ، وتصوم ، وتغتسل مرة أخرى في آخر السابع ، وتقضي صوم السبعة ، وتقضي صلوات اليوم الرابع والخامس ؛ لاحتمال عدم الحيض فيهما ، ولم تصل فيهما .
وإن استحيضت بعد شهر السبعة ، تحيضت من كل شهر سبعة ، واغتسلت في آخر السابع ، وقضت صيام السبعة ، وصلوات الرابع والخامس والسادس والسابع .
هذا كله إذا ذكرت العادة المتقدمة . فإن نسيتها ، تحيضت من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم تغتسل وتصلي وتصوم ، ثم تغتسل في آخر الخامس ، وآخر السابع . وتتوضأ فيما بينهما لكل فريضة . سواء قلنا : ترد إلى العادة الدائرة ، أم لا ؟ هذا مقتضى كلام الأصحاب .
وقال إمام الحرمين : هذا مخصوص بقولنا : ترد إلى الدائرة فأما إن قلنا : ترد إلى ما قبل الاستحاضة ، فقيل : هنا ترد إلى أقل العادات . وقيل : هي كمبتدأة . وقد تقدم قولان في أمرها بالاحتياط إلى آخر الخمسة عشر .
الصورة الثانية . أن لا تكون تلك العادات منتظمة . بل تتقدم هذه مرة ، وهذه مرة .
فقال إمام الحرمين
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي : إن لم نردها في حال الانتظام إلى العادة الدائرة ، فهنا أولى ، وترد إلى ما تقدم على الاستحاضة .
وإن رددنا المنتظمة إلى الدائرة ، فغير المنتظمة كناسية النوبة المتقدمة ، فتحتاط كما سبق .
وذكر غيرهما أوجها ، أصحها : الرد
[ ص: 148 ] إلى ما تقدم في الاستحاضة ، بناء على ثبوت العادة بمرة .
والثاني : ترد إلى المتقدم إن تكرر مرتين ، أو ثلاثة ، وإلا فإلى الأقل .
والثالث ، أنها كالمبتدأة . فإن قلنا بالأصح ، أو الثاني ، احتاطت إلى آخر أكثر العادات . وإن قلنا : كالمبتدأة ، ففي الاحتياط إلى آخر الخامس عشر الخلاف المذكور في المبتدأة .
هذا إذا عرفت القدر المتقدم على الاستحاضة ، فإن نسيته ، فوجهان : قال الأكثرون : ترد إلى أكثر العادات . وقيل : كالمبتدأة ، فعلى الثاني في الاحتياط الخلاف المذكور في المبتدأة ، وعلى الأول يجب الاحتياط إلى آخر أكثر العادات .
وقيل : يستحب ولا يجب ، فحصل من المجموع خلاف في أنها : هل تحتاط في الحال الثاني ، سواء عرفت القدر المتقدم ، أم نسيته ؟ وإذا احتاطت ، فإلى آخر الخمسة عشر ، أو آخر المقادير فيه . وفي حالة الانتظام ، سواء نسيت أو علمت الخلاف .
لكن الصحيح عند العلم في حالة الانتظام ، أنها لا تحتاط .
والصحيح : عند النسيان . وفي حالة عدم الانتظام ، أنها تحتاط لكن إلى آخر الأقدار ، لا إلى تمام الخمسة عشر .
هذا كله حكم العادة المختلفة الدائرة . ومن المختلفة أن يكون في المتقدم من عادتها ، اختلاف قدر أو وقت .
وتسمى : المتنقلة . فمن صورها ، لو كانت
تحيض أول كل شهر خمسة وتطهر باقيه ، فحاضت في دور أربعة من الخمسة ، ثم استحيضت ، فإن أثبتنا العادة بمرة ، رددناها إلى ما قبل الاستحاضة ، وإلا فإلى العادة القديمة .
ولو كانت المسألة بحالها ، فرأت في دور ستة ، وفي دور بعده سبعة ، ثم استحيضت ، فإن أثبتنا العادة بمرة ، رددناها إلى السبعة .
وإن لم نثبتها إلا بثلاث مرات ، رددناها إلى الخمسة .
وإن أثبتناها بمرتين ، فالأصح : ترد إلى الستة .
والثاني : إلى الخمسة . ولو كانت بحالها ، فحاضت في دور الخمسة الثانية ، فقد تغير وقت حيضها ، وصار دورها المتقدم على هذه الخمسة خمسة وثلاثين ، خمسة حيض ، والباقي طهر .
فإن تكرر هذا ، بأن
حاضت في الدور الآخر الخمسة الثالثة هكذا مرارا ، ثم استحيضت ، ردت إليه ، فتحيض من أول الدم الدائم
[ ص: 149 ] الخمسة ، وتطهر ثلاثين ، وهكذا أبدا .
وإن لم يتكرر ، بل استمر الدم في الدور الأول من الخمسة الثانية ، فوجهان :
قال
أبو إسحاق : لا تحيض في هذا الشهر ، فإذا جاء الشهر الثاني ، ابتدأت منه دورها القديم حيضا وطهرا .
والصحيح ، قول الجمهور : أنا نحيضها خمسة من ابتداء الدم المبتدئ من الخمسة الثانية ، ثم إن أثبتنا العادة بمرة ، حكمنا بالطهر ثلاثين ، وأقمنا عليه الدور أبدا . وإن لم نثبتها بمرة فوجهان :
أصحهما : أن خمسة وعشرين بعدها طهر ؛ لأنه المتكرر .
والثاني : أن طهرها باقي الشهر لا غير ، وتحيض الخمسة الأولى من الشهر الثاني ، وتراعي عادتها القديمة قدرا ووقتا .
ولو رأت الخمسة الثانية دما ، وانقطع ، وطهرت بقية الشهر ، وعاد الدم في أول الشهر ، فقد صار دورها خمسة وعشرين ، فإن تكرر ذلك بأن رأت الخمسة الأولى من الشهر بعده دما وطهرت عشرين ، وهكذا مرارا ، ثم استحيضت ، ردت إليه . وإن لم يتكرر ، بأن رأت الخمسة الأولى ، فاستمر ، فالخمسة الأولى حيض بلا خلاف .
وأما الطهر ، فإن أثبتنا العادة بمرة ، فهو عشرون ، وإلا فخمسة وعشرون .
ولو كانت بحالها ، فطهرت بعد خمستها المعهودة عشرين ، وعاد الدم في الخمسة الأخيرة ، فقد تغير وقت حيضها بالتقدم ، وصار دورها خمسة وعشرين ، فإن تكرر الدور ، بأن رأت الخمسة الأخيرة دما ، وانقطع ، وطهرت عشرين ، وهكذا مرارا ، ثم استحيضت ، ردت إليه .
وإن لم يتكرر ، بل استمر الدم العائد ، فأربعة أوجه في هذا ونظائره .
أصحها : تحيض خمسة من أوله ، وتطهر عشرين ، وهكذا أبدا .
والثاني : تحيض خمسة ، وتطهر خمسة وعشرين .
والثالث : تحيض عشرة منه ، وتطهر خمسة وعشرين ، ثم تحافظ على الدور القديم .
والرابع : أن الخمسة الأخيرة استحاضة . وتحيض من أول الشهر خمسة ، وتطهر خمسة وعشرين على عادتها القديمة .
ولو
كانت بحالها ، وحاضت خمستها ، وطهرت أربعة عشر يوما ، ثم عاد الدم ، واستمر ، فأربعة أوجه ، أصحها : أن يوما من أول الدم العائد ،
[ ص: 150 ] استحاضة ، تكميلا للطهر . وخمسة بعده حيض ، وخمسة عشر طهر ، وصار دورها عشرين .
والثاني : أن اليوم الأول استحاضة ، والعشرة الباقية من الشهر مع خمسة من الشهر بعده حيض ، ثم تطهر خمسة وعشرين ، وتحافظ على دورها القديم .
والثالث : أن اليوم الأول استحاضة ، وبعده خمسة حيض وخمسة وعشرون طهر ، وهكذا أبدا .
والرابع : جميع الدم العائد إلى آخر الشهر استحاضة . وتفتتح من أول الشهر دورها القديم .