المستحاضة الرابعة :
المعتادة الذاكرة المميزة . إن اتفقت عادتها والتمييز بأن كانت تحيض خمسة من أول الشهر ، وتطهر باقيه ، فاستحيضت ، ورأت خمسها سوادا ، وباقي الشهر حمرة ، فحيضها تلك الخمسة .
وإن لم تتوافق العادة والتمييز ، ولم يتخلل بينهما أقل الطهر ، بأن
كانت تحيض خمسة ، فرأت في دور عشرة سوادا ، ثم حمرة مستمرة ، فثلاثة أوجه ، أصحها : تعمل بالتمييز ، فحيضها العشرة . والثاني : بالعادة ، فحيضها خمسة من أوله . والثالث : إن أمكن الجمع بينهما ، عمل بالدلالتين ، وإلا سقطتا ، وكانت كمبتدأة لا تمييز لها ، وفيها القولان .
مثال إمكان الجمع ما ذكرنا من عشرة السواد وعدم إمكانه ، بأن ترى خمستها حمرة ، وأحد عشر عقبها سوادا .
أما إذا تخلل بينهما أقل الطهر ، بأن رأت عشرين فصاعدا دما ضعيفا ، ثم خمسة قويا ، ثم ضعيفا ، وعادتها القديمة خمسة ، فقدر العادة حيض للعادة ، والقوي حيض آخر ؛ لأن بينهما طهرا كاملا . هذا هو الصحيح .
ومنهم من بنى هذه الصورة على السابقة ، فقال : إن قدمنا التمييز ، فحيضها خمسة السواد ، وطهرها المتقدم عليه خمسة وأربعون ، وصار دورها خمسين .
وإن قدمنا العادة فحيضها من أول الشهر ، خمسة وبعدها عشرون طهرا ، وإن جمعنا فحيضها الخمسة الأولى بالعادة وخمسة السواد بالتمييز .
[ ص: 151 ] فرع .
العادة التي ترد إليها المعتادة ، ليس من شرطها أن تكون عادة حيض وطهر صحيحين بلا استحاضة ، بل قد تكون كذلك ، وقد تكون مستفادة من التمييز ، بأن ترى المبتدأة خمسة سوادا ، ثم خمسة وعشرين حمرة ، وهكذا مرارا ، ثم يستمر السواد والحمرة في بعض الشهور ، فقد عرفنا أن عادتها خمسة من أول كل شهر ، فترد إليه على الصحيح المعروف .
وعلى الشاذ : هي كمبتدأة غير مميزة . ولو كانت بحالها ، فرأت في بعض الأدوار عشرة سوادا ، وباقي الشهر حمرة ، ثم استمر السواد في الذي بعده ، فقال الأئمة : فحيضها عشرة السواد ، ومردها بعد ذلك عشرة .
ولو
اعتادت خمسة سوادا ، ثم استمر الدم ، ثم رأت في بعض الأدوار عشرة ، ردت في ذلك الدور إلى العشرة . وفي هاتين الصورتين إشكالان .
أحدهما : أن الصورة الثانية ، ينبغي أن تخرج على الخلاف في اجتماع العادة والتمييز .
والثاني : أن ردها إلى العشرة في الصورة الأولى ، طاهر إذا أثبتنا العادة بمرة ، وإلا فينبغي ألا تكتفي بسبق العشرة مرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في الجواب عن هذا : هذه عادة تمييزية ، فتنسخها مرة ، فلا يجري فيها الخلاف كغير المستحاضة ، إذا تغيرت عادتها القديمة مرة ، فإنا نحكم بالحالة الناجزة . وللمعترض أن يقول : لم اختص الخلاف بغير التمييزية ؟ .
قلت : قد نقل الخلاف في هذه الصورة وتخريجها على الخلاف في ثبوت العادة بمرة جماعة كثيرة منهم القاضي
أبو الطيب ،
والمحاملي ،
والسرخسي ،
والشيخ أبو الفتح المقدسي وصاحب ( البيان ) وغيرهم .
وقد أوضحت ذلك في ( شرح المهذب )
[ ص: 152 ] ونقلت فيه عباراتهم . وعجب من
الإمام الرافعي ، كونه لم يذكر هذا الخلاف . والله أعلم .