الباب الثالث في المستحاضة المعتادة الناسية .
الناسية ضربان : مميزة ، وغيرها .
فالمميزة : ترد إلى التمييز على الصحيح .
وعلى الثاني : هي
كغير مميزة ، أما غير المميزة ، فلها أحوال :
[ ص: 153 ] الأول : أن
تنسى عادتها قدرا ووقتا ، لغفلة ، أو علة ، أو جنون ، ونحو ذلك ، وتسمى : المتحيرة والمحيرة ، وفي حكمها طريقان . جحدهما : أنها مأمورة بالاحتياط .
والثاني : على قولين . المشهور : الاحتياط . والثاني : أنها كالمبتدأة ، فيكون فيما ترد إليها القولان إلى يوم وليلة .
والثاني : ست ، أو سبع . وقيل : ترد على هذا القول إلى يوم وليلة قطعا . وعلى هذا القول ابتداء حيضها أول الهلال ، حتى لو أفاقت المجنونة في أثناء الشهر الهلالي ، كان باقي الشهر استحاضة .
هذا هو المعروف وقول الجمهور تفريعا على هذا القول . وقال
القفال : ابتداء حيضها من وقت الإفاقة .
قال الأئمة : قول
القفال : ضعيف ؛ لاحتمال الإفاقة في الحيض . وكذا قول الجمهور ضعيف ؛ لأن تعيين أول الهلال تحكم . وهذا مما ضعف به أصل هذا القول .
وعلى هذا القول : في أمرها بالاحتياط في انقضاء المرد إلى آخر الخمسة عشر ، القولان في المبتدأة . ومتى أطلقنا الشهر في مسائل المستحاضات ، أردنا به ثلاثين يوما . سواء كان ابتداؤه من أول الهلال ، أم لا . ولا نعني به الشهر الهلالي ، إلا في هذا الموضع .
وأما قول الاحتياط وهو المعمول به ، وعليه التفريع ، فيجب الاحتياط في ستة أشياء .
الأول : يحرم وطؤها أبدا على الصحيح .
وقيل : يباح للضرورة . فعلى الصحيح ، لو وطئ فلا كفارة قطعا . والاستمتاع بغير الوطء لها فيه حكم الحائض .
الثاني : يحرم عليها مس المصحف ، والقراءة خارج الصلاة إذا حرمناها على الحائض . ولا تحرم في الصلاة الفاتحة ، ولا تحرم السورة أيضا على الأصح .
وحكمها في دخول المسجد حكم الحائض .
الثالث : يجب عليها الصلوات الخمس أبدا ، ولا تحرم النوافل على الأصح وقيل تحرم . وقيل : يحرم غير الراتبة . ويجري الخلاف في نفل الصوم والطواف . ويجب الغسل لكل فريضة ، ويشترط وقوعه في الوقت .
وفي وجه شاذ : يجوز غسلها قبل الوقت ، إذا انطبق أول الصلاة على أول الوقت وآخر الغسل ، ويلزمها المبادرة بالصلاة عقب الغسل على وجه .
والأصح أنها لا تلزم . لكن إن أخرت ،
[ ص: 154 ] لزمها لتلك الصلاة وضوء آخر إذا لم نجوز
للمستحاضة تأخير الصلاة عن الطهارة .
الرابع : يجب عليها
صوم جميع شهر رمضان ، ويحسب لها منه خمسة عشر يوما على المنصوص وقول طائفة من الأصحاب ، وأربعة عشر على قول أكثرهم ، وتأولوا النص على ما إذا علمت أن دمها كان ينقطع في الليل ، فإن نقص الشهر ، حصل على الأول أربعة عشر ، وعلى الثاني ثلاثة عشر ، وقال صاحب ( المهذب ) : تحصل أربعة عشر ، ووافقه صاحب ( البيان ) وهو غلط .
قلت : لم يغلط صاحب ( المهذب ) ، بل كلامه محمول على شهر تام . وقد أوضحته في شرح ( المهذب ) . والله أعلم .
أما
الصلوات الخمس إذا أدتها فوجهان :
أحدهما : لا يجب قضاؤها ، والصحيح عند الجمهور وجوب القضاء ، وقطع به بعضهم ، فعلى هذا تغتسل في أول وقت الصبح وتصليها ، ثم بعد طلوع الشمس تغتسل وتعيدها . ولا يشترط البدار بالإعادة بعد خروج الوقت ، بل متى أعادتها قبل انقضاء خمسة عشر يوما من أول الصبح أجزأها ، ولا يشترط تأخير جميع الصلاة الثانية عن الوقت . بل لو وقع بعضها في آخر الوقت ، جاز بشرط أن يكون دون تكبيرة ، إذا قلنا : تلزم الصلاة بإدراك تكبيرة أو دون ركعة ، إذا قلنا : لا تلزم إلا بإدراك ركعة ؛ لأنه إن فرض الانقطاع قبل الثانية ، فقد اغتسلت وصلتها ، والانقطاع لا يتكرر وإن فرض في أثنائها فلا شيء عليها ، كذا قاله إمام الحرمين : لك أن تقول أشكالا .
المرة الثانية ، يتقدمها الغسل ، فإذا وقع بعضها في الوقت ، والغسل سابق جاز أن يقع الانقطاع في أثناء الغسل ، ويكون الباقي من وقت الصلاة من حينئذ قدر ركعة أو تكبيرة ، فيجب أن ينظر إلى زمن الغسل سوى الجزء الأول منه ، وإلى الجزء الواقع من الصلاة في الوقت .
ويقال : إن كان ذاك دون ما يلزم به الصلاة جاز وإلا فلا ، ولا يقتصر النظر على جزء الصلاة . ومعلوم أنه
[ ص: 155 ] لا يمكن أن يكون ذلك دون تكبيرة ، ويبعد أن يكون دون ركعة . هذا الكلام في الصبح . وأما العصر والعشاء فيصليهما مرتين كذلك .
وأما الظهر ، فلا يكفي وقوعها المرة الثانية في أول وقت العصر ، ولا وقوع المغرب في أول وقت العشاء ؛ لاحتمال انقطاع الحيض في الوقت المفروض ، فيلزم الظهر مع العصر ، أو المغرب مع العشاء ، فيجب إعادة الظهر في الوقت الذي يجوز إعادة العصر فيه . وهو بعد ذهاب وقت العصر ، وتعيد المغرب بعد ذهاب وقت العشاء .
ثم إذا أعادت الظهر والعصر بعد المغرب نظر : إن قدمتهما على أداء المغرب فعليها أن تغتسل للظهر ، وتتوضأ للعصر ، وتغتسل للمغرب .
وإنما كفى للظهر والعصر غسل ؛ لأن دمها إن انقطع قبل الغروب ، فقد اغتسلت بعده . وإن انقطع بعد الغروب ، فليس عليها ظهر ولا عصر . وإنما لزمها إعادة الغسل للمغرب ؛ لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر ، أو العصر ، أو عقيبهما .
وهكذا الحكم إذا قضت المغرب والعشاء قبل أداء الصبح بعد طلوع الفجر . وحينئذ تكون مصلية الصلوات الخمس مرتين بثمانية أغسال ووضوءين .
وإن
أخرت الظهر والعصر عن أداء المغرب ، اغتسلت للمغرب ، وكفاها ذلك للظهر والعصر ؛ لأنه إن انقطع حيضها قبل الغروب لم تعد إلى إتمام مدة الطهر .
وإن انقطع بعده لم يكن عليها ظهر ولا عصر ، لكن تتوضأ لكل واحدة منهما كسائر المستحاضات . وكذا القول في المغرب والعشاء ، إذا أخرتهما عن الصبح . وحينئذ تكون مصلية الخمس مرتين . بالغسل ستا ، وبالوضوء أربعا .
ثم بالطريق الثاني تخرج عن عهدة الصلوات الخمس . وأما بالطريق الأول فقد أخرت المغرب والصبح عن أول وقتهما لتقديمها القضاء عليهما ، فتخرج عن عهدة ما عداهما ، وأما هما فقد قال في ( النهاية ) : إذا
أخرت الصلوات عن أول الوقت حتى مضى ما يسع الغسل ، فتلك الصلاة لم يكف فعلها مرة أخرى في آخر الوقت أو بعده على التصوير السابق ؛ لاحتمال طهرها في أول الوقت ، ثم حدوث الحيض فتجب الصلاة ، وتكون
[ ص: 156 ] المرتان واقعتين في الحيض . بل تحتاج إلى فعلها مرتين أخريين بغسلين .
ويشترط أن تكون إحداهما بعد انقضاء وقت الرفاهية والضرورة قبل تمام خمسة عشر يوما من افتتاح الصلاة المرة الأولى .
وتكون الثانية في أول السادس عشر من آخر الصلاة المرة الأولى فتخرج عن العهدة بيقين . ومع هذا كله لو
اقتصرت على أداء الصلوات في أوائل أوقاتها ولم تقض شيئا حتى مضت خمسة عشر يوما ، أو مضى شهر ، لم يجب عليها لكل خمسة عشر ، وإلا قضاء صلوات يوم وليلة ؛ لأن القضاء لا يجب إلا لاحتمال الانقطاع ، ولا يتصور الانقطاع في الخمسة عشر إلا مرة .
ويجوز أن يجب به قضاء صلاتي جمع ، وهما الظهر والعصر ، أو المغرب والعشاء . فإذا أشكل الحال أوجبنا قضاء يوم وليلة ، كمن نسي صلاة أو صلاتين من خمس .
ولو كانت تصلي في أوساط الأوقات لزمها أن تقضي للخمسة عشر صلوات يومين وليلتين لجواز أن يطرأ الحيض في وسط صلاة فيبطل ، وينقطع في وسط أخرى فيجب ، ويجوز أن يكونا مثلين .
ومن
فاتته صلاتان متماثلتان ، لم تعرف عينهما ، لزمه صلوات يومين وليلتين ، بخلاف ما إذا كانت تصلي في أول الوقت ، فإنه لو فرض ابتداء الحيض في أثناء الصلاة لم يجب ؛ لأنها لم تدرك من الوقت ما يسعها .
الخامس : إذا
أرادت قضاء صوم يوم ، فأقل ما يحصل بصيام ثلاثة ؛ فتصوم يوما وتفطر يوما وتصوم الثالث ثم السابع عشر ، ولا يتعين الثالث للصوم الثاني ، ولا السابع عشر للصوم الثالث . بل لها أن تصوم بدل الثالث ، يوما بعده إلى آخر الخامس عشر . وبدل السابع عشر ، يوما بعده إلى آخر تسعة وعشرين يوما ، ولكن الشرط أن يكون المخلف من أول السادس عشر مثل ما بين صومها الأول والثاني أو أقل منه . فلو صامت الأول
[ ص: 157 ] والثالث والثامن عشر لم يجز ؛ لأن المخلف عن أول السادس عشر يومان وليس بين الصومين الأولين إلا يوم .
فلو صامت الأول والرابع والثامن عشر أو السابع عشر جاز .
ولو صامت الأول والخامس عشر فقد تخلل بين الصومين ثلاثة عشر ، فلها أن تصوم التاسع والعشرين ، ولها أن تصوم يوما قبله ، غير السادس عشر .
ولنا وجه شاذ : أن يكفيها في صوم اليوم ، أن تصوم يومين ، بينهما أربعة عشر . وحكي هذا عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، وهو قول من قال : يحسب لها من رمضان خمسة عشر .
وقطع الجماهير : بأنه لا يكفي اليومان ؛ لاحتمال ابتداء الحيض في اليوم الأول ، وانقطاعه في السادس عشر . وتأولوا النص ، على ما إذا علمت الابتداء والانقطاع في الليل .
أما إذا
أرادت قضاء أكثر من يوم فتضعف ما عليها ، وتزيد يومين ، فتصوم نصف الجموع متواليا متى شاءت ، وتصوم النصف الآخر من أول السادس عشر .
فإذا أرادت يومين صامت ثلاثة متوالية متى شاءت ثم أفطرت تمام خمسة عشر ثم صامت السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر . وإن أرادت ثلاثة صامت أربعة ثم أربعة ، أولها السادس عشر .
وإن أرادت أربعة عشر ، صامت الشهر كله . ولو أنها صامت ما عليها على الولاء متى شاءت من غير زيادة ، وأعادته من أول السابع عشر ، وصامت بينهما يومين مجتمعين ، أو متفرقين ، إما متصلين بالصوم الأول أو الثاني ، وإما غير متصلين ، لخرجت عن العهدة .
هذا كله في قضاء الصوم الذي لا تتابع فيه ، وأما المتتابع بنذر أو غيره فإن كان قدرا يقع في شهر ، صامته على الولاء ، ثم صامته مرة أخرى من السابع عشر .
مثاله : عليها يومان متتابعان . تصوم يومين ، وتصوم السابع عشر ، والثامن عشر ، وتصوم بينهما يومين متتابعين .
فإن كان عليها شهران متتابعان ، صامت مائة وأربعين يوما متوالية . أما إذا أرادت تحصيل صلاة فائتة أو منذورة ، فإن كانت واحدة صلتها بغسل متى شاءت ثم أمهلت زمانا يسع الغسل ، وتلك الصلاة ، ثم تعيدها
[ ص: 158 ] بغسل آخر ، بحيث تقع في خمسة عشر ، من أول الصلاة الأولى . وتمهل من أول السادس عشر قدر الإمهال الأول ، ثم تعيدها بغسل آخر قبل تمام شهر من المرة الأولى .
ويشترط أن لا يؤخر الثالثة عن أول السادس عشر أكثر من الزمان المتخلل بين آخر المرة الأولى وأول الثانية كما ذكرنا في الصوم . وإن أرادت صلوات فلها طريقان :
أحدهما : أن تنزلها منزلة الصلاة الواحدة فتصليها متوالية ثلاث مرات كما ذكرنا في الواحدة . وتغتسل في كل مرة للصلاة الأولى ، وتتوضأ لكل واحدة بعدها . وسواء اتفقت الصلوات ، أو اختلفت .
والطريق الثاني : ينظر ما عليها ، إن لم تختلف ، ضعفته وزادت صلاتين ، وصلت نصف الجملة متواليا . ثم النصف الآخر من أول السادس عشر من أول الشروع في النصف الأول .
مثاله :
عليها خمس صلوات صبح تضعفها وتزيد صلاتين ، فتصلي ستا متى شاءت ، وستا أول السادس عشر . وإن كان العدد مختلفا صلت ما عليها بأنواعه متواليا متى شاءت ، ثم صلت صلاتين ، من كل نوع مما عليها ، بشرط أن يقعا في خمسة عشر يوما من أول الشروع . وتمهل من أول السادس عشر زمانا يسع الصلاة المفتتح بها ثم تعيد ما عليها على ترتيب فعلها في المرة الأولى .
مثاله :
عليها ظهران وثلاث أصباح ، تصلي الخمس متى شاءت ، ثم تصلي بعدها في الخمسة عشر صبحين وظهرين ، وتمهل من السادس عشر ما يسع صبحا ، ثم تعيد الخمس كما فعلت أولا . وفي هذا الطريق ، تفتقر لكل صلاة إلى غسل ، بخلاف الطريق الأول .
وأما الطواف فكالصلاة واحدا كان أو عددا ، ويصلي مع كل طواف ركعتيه ويكفي غسل واحد للطواف وركعتيه إن لم نوجب الركعتين .
فإن أوجبناهما فالأصح أنه يجب وضوء للركعتين بعد الطواف . والثاني : يجب غسل آخر لهما . والثالث : لا يجب شيء .
[ ص: 159 ] السادس : في
عدة المتحيرة . الصواب الذي عليه الجماهير أن عدتها ثلاثة أشهر في الحال . وفي وجه شاذ : تقعد إلى سن اليأس ، ثم تعتد بالأشهر .