فرع
في مسائل تتعلق بالرجوع
إحداها :
ضمن عشرة ، وأدى خمسة ، وأبرأه رب المال عن الباقي ، لم يرجع إلا بالخمسة المغرومة ، وتبقى الخمسة الأخرى على الأصيل . ولو صالحه من العشرة على خمسة ، لم يرجع إلا بالخمسة أيضا ، لكن يبرأ الضامن والأصيل عن الباقي .
الثانية :
ضمن ذمي لذمي دينا على مسلم ، ثم تصالحا على خمر ، فهل يبرأ المسلم لأن المصالحة بين ذميين ، أم لا ، كما لو دفع الخمر بنفسه ؟ وجهان . فإن قلنا بالأول ، ففي رجوع الضامن على المسلم ، وجهان ؛ لأن ما أدي ليس بمال ، إلا أنه أسقط الدين .
قلت : الأصح : لا يبرأ ، ولا يرجع . - والله أعلم - .
الثالثة :
ضمن عن الضامن آخر ، وأدى الثاني ، فرجوعه على الأول ، كرجوع الأول على الأصيل ، فيراعى الإذن وعدمه . وإذا لم يثبت له الرجوع على الأول لم يثبت بأدائه للأول الرجوع على الأصيل إذا وجد شرطه فلو أراد الثاني أن يرجع على الأصيل ، ويترك الأول ، نظر ، إن كان الأصيل قال له : اضمن عن ضامني ، ففي رجوعه عليه ، وجهان . كما لو قال لإنسان : أد ديني وليس كما لو قال : أد دين فلان ، حيث لا يرجع قطعا على الآمر ؛ لأن الحق لم يتعلق بذمته . وإن لم يقل له : اضمن عن ضامني ، فإن كان الحال لا يقتضي رجوع الأول على الأصيل ، لم يرجع
[ ص: 269 ] الثاني عليه . وإن اقتضاه ، فكذلك على الأصح ؛ لأنه لم يضمن عن الأصيل . ولو أن الثاني ضمن عن الأصيل أيضا ، فلا رجوع لأحد الضامنين على الآخر ، وإنما الرجوع للمؤدي على الأصيل . ولو ضمن عن الأول والأصيل معا ، فأدى ، فله أن يرجع على أيهما شاء ، وأن يرجع على هذا بالبعض ، وعلى ذاك بالبعض ، ثم للأول الرجوع على الأصيل بما غرم بشرطه .
الرابعة :
على زيد عشرة ، ضمنها اثنان ، كل واحد خمسة ، وضمن كل واحد عن الآخر ، فلرب المال مطالبة كل واحد منهما بالعشرة ، نصفها عن الأصيل ، ونصفها عن الآخر ، فإن أدى أحدهما العشرة ، رجع بالنصف على الأصيل ، وبالنصف على صاحبه . وهل له الرجوع بالجميع على الأصيل إذا كان لصاحبه الرجوع عليه لو غرم ؟ فيه الوجهان . وإن لم يؤد إلا خمسة ، نظر ، هل أداها عن الأصيل ، أو عن صاحبه ، أو عنهما ؟ ويثبت الرجوع بحسبه .
الخامسة :
ضمن الثمن ، فهلك المبيع له أو وجد به عيبا فرده ، أو ضمن الصداق ، فارتدت المرأة قبل الدخول ، أو فسخت بعيب ، نظر ، إن كان ذلك قبل أن يؤدي الضامن ، برئ الضامن والأصيل . وإن كان بعده ، فإن كان بحيث يثبت الرجوع ، رجع بالمغروم على الأصيل ، وضمن رب الدين للأصيل ما أخذ إن كان هالكا . وإن كان باقيا ، رده بعينه . وهل له إمساكه ورد بدله ؟ فيه الخلاف المذكور فيما إذا رد المبيع بعيب وعين دراهمه عند البائع ، فأراد إمساكها ورد مثلها ، والأصح : المنع . وإنما يغرم للأصيل دون الضامن ؛ لأن في ضمن الأداء عنه إقراضه وتمليكه إياه . وإن كان بحيث لا يثبت للضامن الرجوع ، فلا شيء له على الأصيل ، ويلزم المضمون له رد ما أخذ . وعلى من يرد ؟ فيه الخلاف فيمن تبرع بالصداق وطلق الزوج قبل الدخول ، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى .
السادسة :
أدى الضامن الدين ، ثم وهبه رب الدين له ، ففي رجوعه على الأصيل ، وجهان بناء على القولين فيما لو وهبت الصداق للزوج ، ثم طلقها قبل الدخول .
[ ص: 270 ] قلت : الأصح : الرجوع . - والله أعلم - .
السابعة :
لرجل على رجلين عشرة ، وضمن كل واحد ما على الآخر ، فلرب الدين أن يطالبهما ، ومن شاء منهما بالعشرة ، فإن أداها أحدهما ، برئا جميعا ، وللمؤدي الرجوع بخمسة على صاحبه إن وجد شرط الرجوع . وإن أدى كل واحد خمسة عما عليه ، فلا رجوع . وإن أدى عن الآخر ، جاء خلاف التقاص . وإن أدى أحدهما خمسة ، ولم يؤد الآخر شيئا ، فإن أداها عن نفسه ، برئ مما عليه ، وبقي على صاحبه ما كان عليه والمؤدي ضامن له . وإن أداها عن صاحبه ، رجع بها عليه ، وبقي عليه ، ما كان عليه ، وصاحبه ضامن له . وإن أداها عنهما ، فلكل نصف حكمه . وإن أدى ولم يقصد شيئا ، فهل يقسط عليهما ؟ أو يقال : اصرف إلى ما شئت ؟ وجهان سبق نظيرهما في آخر الرهن . ومن فوائدهما ، أن يكون بنصيب أحدهما رهن . فإن قلنا : له صرفه ، فصرفه إلى ما به الرهن ، انفك ، وإلا ، فلا . ولو قال المؤدي : أديت عما علي ، فقال القابض : بل عن صاحبك ، صدق المؤدي بيمينه . فإذا حلف ، برئ مما عليه ، لكن لرب الدين مطالبته بخمسة على الصحيح ؛ لأن عليه خمسة أخرى ، إما بالأصالة ، وإما بالضمان . وفي وجه : لا مطالبة له ؛ لأنه إن طالبه عن الأصالة ، فالشرع يصدق المؤدي في البراءة منها . وإن طالبه بالضمان ، فرب الدين معترف بأنه أدى عنه . وإن أبرأ رب الدين أحدهما عن جميع العشرة ، برئ أصلا وضمانا ، وبرئ الآخر من الضمان دون الأصل . وإن أبرأ أحدهما عن خمسة ، نظر ، إن أبرأ عن الأصل ، برئ عنه ، وبرئ صاحبه عن ضمانه وهي عليه ضمانة ما على صاحبه . وإن أبرأه عن الضمان وبرئ عنه ، وبقي عليه الأصيل ، وبقي على صاحبه الأصل والضمان وإن أبرأه عن الخمسة من الجهتين جميعا ، سقط عنه نصف الأصل ونصف الضمان ، وعن صاحبه نصف الضمان ( وبقي عليه الأصل ،
[ ص: 271 ] ونصف الضمان ) ، فيطالبه بسبعة ونصف ، ويطالب المبرأ بخمسة . وإن لم ينو عند الإبراء شيئا ، فهل يحمل على النصف ، أم يخير ليصرف إلى ما شاء ؟ فيه الوجهان . ولو قال : أبرأت عن الضمان ، فقال المبرأ : بل عن الأصل ، فالقول قول المبرئ .
الثامنة :
ادعى أن له على زيد وعلى غائب ألفا باعهما به عبدا قبضاه ، أو عن جهة أخرى ، وأن كل واحد منهما ضمن ما على الآخر وأقام بذلك بينة ، فأخذ الألف من زيد ، نص أنه يرجع على الغائب بنصف الألف . قال الجمهور هذا إذا لم يكن وجد من زيد تكذيب للبينة . فإن كان ، لم يرجع ؛ لأنه مظلوم بزعمه ، فلا يطالب غير ظالمه ، وهذا هو الأصح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13131ابن خيران : يرجع وإن صرح بالتكذيب ؛ لأن البينة أبطلت حكم إنكاره .
فرع
جميع ما سبق من رجوع المأذون له في الأداء ، والضامن على الأصيل ، مفروض فيما إذا أشهد على الأداء رجلين أو رجلا وامرأتين . فلو أشهد واحدا اعتمادا على أنه يحلف معه ، أو أشهد مستورين ، فبانا فاسقين ، كفى ذلك على الأصح . ولا يكفي إشهاد من يعلم سفره عن قرب ؛ لأنه لا يفضي إلى المقصود . أما إذا أدى بلا إشهاد ، وأنكر رب المال ، فإن أدى في غيبة الأصيل ، فمقصر ، فلا يرجع إن كذبه الأصيل قطعا ، وكذا إن صدقه على الأصح . وهل يحلف الأصيل إذا كذبه ؟ قال في " التتمة " : يبنى على أنه لو صدقه ، هل يرجع عليه ؟ إن قلنا : نعم ، حلفه على نفي العلم بالأداء ، وإلا بني على أن النكول ورد اليمين ، كالإقرار ، أم كالبينة ؟ إن قلنا : كالإقرار ، لم يحلفه لأن غايته أن ينكل فيحلف الضامن ، فيكون كتصديقه ،
[ ص: 272 ] وذلك لا يفيد الرجوع . وإن قلنا : كالبينة ، حلفه طمعا في أن ينكل ، ويحلف ، فيكون كالبينة . ولو كذبه الأصيل وصدقه رب المال ، رجع على الأصح ، لسقوط المطالبة ، فإنه أقوى من البينة . وأما إذا أدى بحضور الأصيل ، فيرجع على الصحيح المنصوص . ولو توافق الأصيل والضامن على أنه أشهد ، ولكن مات الشهود أو غابوا ، ثبت الرجوع على الصحيح . وقيل : لا ، وهو شاذ ضعيف . ولو قال الضامن : أشهدت وماتوا ، وأنكر الأصيل الإشهاد ، فهل القول قول الأصيل ؛ لأن الأصل عدم الإشهاد ، أو قول الضامن ؛ لأن الأصل عدم التقصير ؟ وجهان . أصحهما : الأول . ولو قال : أشهدت فلانا وفلانا ، فكذباه ، فهو كما لو لم يشهد . ولو قالا : لا ندري وربما نسينا ، ففيه تردد للإمام . ومتى لم تقم بينة بالأداء ، وحلف رب المال ، بقيت مطالبته بحالها . فإن أخذ المال من الأصيل ، فذاك . وإن أخذ من الكفيل مرة أخرى ، فقيل : لا يرجع بشيء ، والأصح : أنه يرجع . وهل يرجع بالمغروم أولا لأنه مظلوم بالثاني ، أم بالثاني لأنه المسقط للمطالبة ؟ وجهان .
قلت : ينبغي أن يرجع بأقلهما . فإن كان الأول ، فهو يزعم أنه مظلوم بالثاني . وإن كان الثاني ، فهو المبرئ ، ولأن الأصل براءة ذمة الأصيل من الزائد . - والله أعلم - .