الباب الرابع في التلفيق .
إذا
انقطع دمها فرأت يوما دما ويوما نقاء . أو يومين ويومين . فتارة يجاوز التقطع خمسة عشر ، وتارة لا يجاوزها . فإن لم يجاوزها ، فقولان :
أظهرهما عند الأكثرين : أن الجميع حيض . ويسمى قول السحب . والثاني : حيضها الدماء خاصة . وأما النقاء فطهر . ويسمى : قول التلفيق . وعلى هذا القول إنما نجعل النقاء طهرا في الصوم والصلاة والغسل ونحوها دون العدة . والطلاق فيه بدعي . ثم القولان : إنما هما في النقاء الزائد على الفترة المعتادة . فأما الفترة المعتادة بين دفعتي الدم فحيض بلا خلاف .
[ ص: 163 ] قال إمام الحرمين في
الفرق بين الفترة والنقاء دم الحيض يجتمع في الرحم ، ثم الرحم يقطره شيئا فشيئا ، فالفترة ما بين ظهور دفعة وانتهاء أخرى من الرحم إلى المنفذ فما زاد على ذلك فهو النقاء .
قال
الرافعي : وربما تردد الناظر ، في أن مطلق الزائد ، هل يخرج عن الفترة ؛ لأن تلك مدة يسيرة ؟ .
قلت : الصحيح المعتمد في الفرق أن الفترة هي الحالة التي ينقطع فيها جريان الدم ، ويبقى أثر ، بحيث لو أدخلت في فرجها قطنة ، لخرج عليها أثر الدم من حمرة ، أو صفرة ، أو كدرة ، فهذه حالة حيض قطعا طالت أم قصرت .
والنقاء : أن يصير فرجها بحيث لو أدخلت القطنة ، لخرجت بيضاء ، فهذا الضبط ، هو الذي ضبطه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه في ( الأم ) والشيوخ الثلاثة :
nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد الإسفراييني ، وصاحبه
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب ، وصاحبه
nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في تعاليقهم . فلا مزيد عليه ، ولا محيد عنه . والله أعلم .
ولا فرق في جريان القولين بين أن يستوي قدر الدم والنقاء ، أو يزيد أحدهما لو رأت صفرة ، أو كدرة بين سوادين ، وقلنا : إنها في غير أيام العادة ليست حيضا فهي كالنقاء .
وإذا قلنا بالسحب ، فشرطه كون النقاء محتوشا بدمين في الخمسة عشر . فإن لم يقع بينهما ، فهو طهر بلا خلاف .
مثاله :
رأت ( الدم ) يوما ويوما إلى الثالث عشر ، ولم يعد الدم في الخامس عشر فالرابع عشر والخامس عشر طهر قطعا ؛ لأن النقاء فيهما لم يتعقبه دم في الخمسة عشر .
[ ص: 164 ] فرع :
الدماء المتفرقة إن بلغ مجموعها أقل الحيض ، نظر ، إن بلغ الأول والآخر كل منهما أقل الحيض ، فعلى القولين .
وقيل : النقاء هنا حيض قطعا . وإنما القولان ، إذا لم يبلغ كل طرف الأقل . وإن لم يبلغ واحد منهما الأقل ، بأن رأت نصف يوم دما ، ونصفه نقاء إلى آخر الخمسة عشر فثلاثة طرق :
أصحها : طرد القولين . فعلى قول التلفيق : حيضها أنصاف الدم سبعة ونصف . وعلى السحب ، حيضها أربعة عشر ونصف ، فإن النصف الأخير لم يحتوشه دمان .
والثاني : القطع بأن لا حيض أصلا ، وكله دم فساد . والثالث : أن توسطهما قدر أقل الحيض متصلا ، فعلى القولين ، وإلا فالجميع دم فساد .
وإن بلغ أحدهما الأقل دون الآخر ، فثلاثة طرق ؛ أصحها طرد القولين . والثاني : ما بلغه حيض ، وما سواه دم فساد .
والثالث : إن بلغ الأول أقل الحيض ، فالجميع حيض . وإن بلغ الآخر ، فهو حيض دون ما سواه .
هذا كله إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض . فإن لم يبلغه ، فطريقان :
أصحهما : طرد القولين . فإن لفقنا ، فلا حيض ، وكذا إن سحبنا ، على الأصح .
وعلى الضعيف : الدم والنقاء كله حيض . والطريق الثاني : القطع بأن لا حيض .
فحصل في المعتبر من الدمين لنجعل ما بينهما حيضا على قول السحب أوجه :
أصحها : يشترط بلوغ مجموع الدماء قدر أقل الحيض .
والثاني : يشترط أن يكون كل واحد من الدمين قدر أقل الحيض ، حتى لو رأت دما ناقصا عن الأقل ، ودمين آخرين غير ناقصين ، فالأول : دم فساد ، والآخران ، وما بينهما من النقاء ، حيض . والثالث : لا يشترط ، بل لو كان مجموع الدماء ، نصف يوم ، أو أقل ، فهي وما بينهما من النقاء حيض ، على قول التلفيق . قاله الأنماطي .
[ ص: 165 ] والرابع : يشترط بلوغ أولهما ، وحده أقل الحيض . والخامس : يشترط أن يكون أحدهما أقل الحيض . والسادس : يشترط الأقل في الأول أو الـأخير أو الوسط .
فرع :
إذا
انقطع دم المبتدأة ، فعند انقطاعه وهو بالغ أقل الحيض ، يلزمها على القولين الغسل والصلاة والصوم ولها الطواف والجماع .
وفي وجه : لا يحل الجماع إذا قلنا بالسحب . ثم إذا عاد الدم تركت الصوم والصلاة والجماع وغيرها ، وبينا على قول السحب وقوع العبادات والجماع في الحيض . لكن لا تأثم وتقضي الصوم والطواف دون الصلاة .
وعلى قول التلفيق : ما مضى صحيح ولا قضاء .
وهكذا حكم الانقطاع الثاني ، والثالث ، وما بعدهما في الخمسة عشر . وفيه وجه شاذ ضعيف : أن ما سوى الانقطاع الأول ، يبنى على أن العادة بماذا ثبتت . فإذا ثبتت ، توقفنا في الغسل ، وسائر العبادات ارتقابا للعود .
وأما الشهر الثاني ، وما بعده ، فعلى قول التلفيق : لا يختلف الحكم . وعلى السحب ، في الدور الثاني ، طريقان :
أصحهما : يبنى على الخلاف في العادة ، إن أثبتناها بمرة ، فقد عرفنا التقطع بالشهر الأول ، فلا تغتسل ، ولا تصلي ولا تصوم ، حملا على عود الدم .
فإن لم يعد بان أنها كانت طاهرة فتقضي الصوم والصلاة . وإن لم نثبتها بمرة ، فحكمها كما مضى في الشهر الثالث . وما بعده ، تثبت العادة بالمرتين السابقتين . فلا تغتسل عند الانقطاع ، ولا تصلي . وإذا قلنا : لا تثبت العادة إلا بثلاث مرات ، لم يخف قياسه .
والطريق الثاني : أن
التقطع وإن تكرر مرات كثيرة ، فحكم المرة الأخيرة حكم الأولى . قاله
أبو زيد .
[ ص: 166 ] قلت : قطع بالطريق الثاني ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847الشيخ أبو حامد ، وصاحب ( الشامل ) وغيرهما . وهو ظاهر نصه في ( الأم ) وهو الأصح . والله أعلم .
هذا كله إذا كان الانقطاع بعد بلوغ الدم أقل الحيض ، فإن
رأت المبتدأة نصف يوم دما ، وانقطع ، وقلنا بطرد القولين ، فعلى قول السحب ، لا غسل عليها عند الانقطاع الأول ، وتتوضأ وتصلي . وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ مجموع ما سبق دما ونقاء أقل الحيض ، صار حكمها ما سبق في الحالة الأولى .
وعلى قول التلفيق : لا غسل في الانقطاع الأول أيضا على الأصح ، لشكنا في الحيض ، وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ ما سبق من الدم وحده أقل الحيض يلزمها الغسل وقضاء الصوم والصلاة .
وحكم الدور الثاني والثالث على القولين جميعا كما ذكرنا في الحالة الأولى .