فرع
بينهما عبد ، باعه أحدهما بإذن شريكه ، وأذن له في قبض الثمن ، أو قلنا :
[ ص: 287 ] للوكيل بالبيع قبض الثمن ، ثم
اختلف الشريكان في قبض الثمن ، فذلك يتصور على وجهين . أحدهما : أن يقول الشريك للبائع : قبضت كل الثمن ، فسلم إلي نصيبي ، ويوافقه المشتري على أن البائع قبض ، وينكر البائع ، فيبرأ المشتري عن نصيب الذي لم يبع ، لاعترافه ببراءته . ثم هنا خصومة بين البائع والمشتري ، وخصومة بين الشريكين ، وربما تقدمت الأولى على الثانية ، وربما تأخرت . فإن تقدمت ، نظر ، إن قامت للمشتري بينة على الأداء ، اندفعت عنه مطالبة البائع . فإن شهد له الشريك ، لم يقبل في نصيبه . وفي نصيب البائع القولان في تبعيض الشهادة . وإن لم يقم بينة ، فالقول قول البائع بيمينه أنه لم يقبض . فإن حلف أخذ نصيبه من المشتري ، ولا يشاركه الذي لم يبع فيه ؛ لأنه يزعم أن ما يأخذه الآن ظلم . وإن نكل ، وحلف المشتري ، انقطعت عنه المطالبة . وإن نكل المشتري أيضا ، فوجهان . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان : لا يلزمه نصيب البائع ، لأنا لا نقضي بالنكول . والصحيح : أنه يلزمه ؛ لأنه ليس قضاء بالنكول ، بل مؤاخذة باعترافه بلزوم المال بالشراء . فإذا انقضت خصومة البائع والمشتري ، فطلب الشريك حصته من البائع لزعمه أنه قبض الثمن ، فالقول قول البائع بيمينه أنه لم يقبض إلا نصيبه بعد الخصومة . فإن نكل البائع ، حلف الشريك وأخذ منه نصيبه ، ولا يرجع به البائع على المشتري ؛ لأنه يزعم أن شريكه ظلمه ، ولا يمنع البائع من الحلف نكوله على اليمين في الخصومة مع المشتري ؛ لأنها خصومة أخرى مع آخر . أما إذا تقدمت خصومة الشريكين ، فادعى الذي لم يبع على البائع قبض الثمن ، وطلب حقه ، فعليه البينة ، ولا تقبل شهادة المشتري له . فإن لم تكن بينة ، حلف البائع ، فإن نكل ، حلف المشتري وأخذ نصيبه من البائع . فإذا انقضت خصومة الشريكين ، فطالب البائع المشتري بحقه أخذه بيمينه . فإن نكل ، حلف المشتري وبرئ . ولا يمنع البائع من الحلف وطلب حقه من المشتري نكوله في الخصومة الأولى مع شريكه . وفي وجه :
[ ص: 288 ] يمنعه ، وهو ضعيف باتفاق الأصحاب . وعلى ضعفه ، قال الإمام : القياس طرده فيما إذا تقدمت خصومة البائع والمشتري ، ونكل البائع ، وحلف المشتري . حتى يقال : تثبت للشريك مطالبة البائع بنصيبه من غير تجديد خصومة .
الوجه الثاني : أن
يقول البائع للشريك : قبضت الثمن كله ، وصدقه المشتري ، وأنكر الشريك ، فله حالان . أحدهما : أن يكون الشريك مأذونا من جهة البائع في قبض الثمن ، فيبرأ المشتري من نصيب البائع ، لاعترافه بأن وكيله قبضه . ثم تتصور خصومتان كما سبق ، فإن تخاصم الشريك والمشتري ، فالقول قول الشريك ، فيحلف ويأخذ نصيبه ، ويسلم له المأخوذ . وإن تخاصم البائع والشريك ، حلف الشريك . فإن نكل ، حلف البائع وأخذ حقه منه ، ولا رجوع له على المشتري . وكل هذا ، كما سبق في النزاع الأول . ولو شهد البائع للمشتري ، لم يقبل ؛ لأنه يشهد لنفسه .
الحال الثاني : أن يكون غير مأذون ، فلا تبرأ ذمة المشتري عن شيء من الثمن . ثم يكون البائع مأذونا من جهة الشريك في القبض ، وتارة لا . فإن كان ، فله مطالبة المشتري بنصيبه ، وليس له مطالبة بنصيب الشريك ؛ لأنه لما أقر بقبض الشريك نصيب نفسه ، صار معزولا . ثم إذا تخاصم الشريك والمشتري ، فعلى المشتري البينة بالقبض . فإن لم تكن ، فالقول قول الشريك . فإذا حلف ، ففيمن يأخذ حقه منه ؟ وجهان . أحدهما : قال
المزني وابن القاص وآخرون : إن شاء أخذ تمام حقه من المشتري ، وإن شاء شارك البائع في المأخوذ وأخذ الباقي من المشتري ؛ لأن الصفقة واحدة ، فكل جزء من الثمن شائع بينهما . فإذا شارك ، لم يبق للبائع إلا ربع الثمن . وقال
ابن سريج وغيره : ليس له إلا الأخذ من المشتري ، ولا يشارك البائع فيما أخذه ؛ لأن البائع انعزل عن الوكالة بإقرار أن
[ ص: 289 ] الشريك أخذ حقه ، فما يأخذه بعد الانعزال ، يأخذه لنفسه فقط . وهذا الوجه استحسنه الشيخان :
أبو حامد وأبو علي . ولو شهد البائع للمشتري على الشريك بقبض الثمن ، فعلى قول
المزني : لا تقبل شهادته ؛ لأنه يدفع بها شركة صاحبه فيما أخذه . وعلى ما ذكره
ابن سريج : تقبل .
القسم الثاني : أن لا يكون البائع مأذونا في القبض ، قال العراقيون : للبائع مطالبة المشتري بحقه ، وما يأخذه يسلم له ، وتقبل شهادته للمشتري على الشريك . ويجيء وجه : في مشاركة صاحبه ، وفي قبول الشهادة . وحكى
الحناطي وجها : أن أحد الوارثين ، لو قبض من الدين قدر حصته ، لم يشاركه الآخر ، إلا أن يأذن له المديون في الرجوع عليه ، أو لا يجد مالا سواه . والصحيح : المشاركة مطلقا . ولو ملكا عبدا ، فباعاه صفقة ، فهل ينفرد أحدهما بقبض حصته من الثمن ؟ وجهان . أحدهما : لا . فلو قبض شيئا ، شاركه الآخر كالميراث . وأرجحهما : نعم ، كما لو انفرد بالبيع .