الشرط الثالث : أن
يكون ما وكل فيه معلوما من بعض الوجوه ، بحيث لا يعظم الغرر . وسواء كانت الوكالة عامة أو خاصة . أما العامة ففيها طريقة
nindex.php?page=showalam&ids=12441لإمام الحرمين nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي ، وطريقة للأصحاب . فأما طريقتهما ، فقالا : لو قال : وكلتك في كل قليل وكثير ، فباطلة . وإن ذكر الأمور المتعلقة به مفصلة ، فقال : وكلتك في بيع أملاكي ، وتطليق زوجاتي ، وإعتاق عبيدي ، صح توكيله . ولو قال : وكلتك في كل أمر هو إلي مما يقبل التوكيل ، ولم يفصل أجناس التصرفات ، فوجهان . أصحهما : البطلان . وأما طريقة سائر الأصحاب ، فقالوا : لو
قال : وكلتك في كل قليل وكثير ، أو في كل أموري ، أو في جميع حقوقي ، أو في كل قليل وكثير من أموري ، أو
فوضت إليك جميع الأشياء ، أو
أنت وكيلي فتصرف في مالي كيف شئت ، لم تصح الوكالة . قالوا : ولو قال : وكلتك في بيع أموالي ، أو استيفاء ديوني ، أو استرداد ودائعي ، أو إعتاق عبيدي ، صحت ، وهذه الطريقة هي الصحيحة نقلا ومعنى ، وقد نص ( عليها )
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رضي الله عنه - . وأما الوكالة الخاصة ، ففيها صور .
إحداها : لو وكله في بيع جميع أمواله ، أو قضاء ديونه واستيفائها ، صح قطعا . ولا يشترط كون أمواله معلومة على الصحيح . وكلام
البغوي ، يقتضي اشتراطه . وفي فتاوى
القفال : لو
قال : وكلتك في استيفاء ديوني على الناس ، جاز
[ ص: 296 ] وإن كان لا يعرف من عليه الدين ، وأنه واحد أو جماعة كثيرة ، وأي جنس ذلك الدين . أما إذا
قال : بع بعض مالي ، أو طائفة منه ، أو سهما ، فلا يصح ، لجهالته من الجملة . وكأن الشرط أن يكون الموكل فيه معلوما أو يسهل علمه . ولو قال : بع ما شئت من مالي ، أو اقبض ما شئت من ديوني ، جاز ، ذكراه في " المهذب " و " التهذيب " . وفي " الحلية " ما يخالفه ، فإنه قال : لو
قال : بع من رأيت من عبيدي ، لم يصح حتى يميز .
قلت : هذا المذكور عن " المهذب " هو الصحيح المعروف . قال في " التهذيب " : ولا يجوز أن يبيع الكل إلا أن يقبض الكل . وأما قول صاحب الحلية ، ففي " البيان " أيضا عن
ابن الصباغ نحوه ، فإنه قال : لو قال : بع ما تراه من مالي ، لم يجز . ولو قال : ما تراه من عبيدي ، جاز ، وكلاهما شاذ ضعيف . وهذا النقل عن " الحلية " ، إن كان المراد به " الحلية "
للروياني فغلط ، فإن الذي في حلية
الروياني : لو قال : بع من عبيدي هؤلاء الثلاثة من رأيت ، جاز ، ولا يبيع الجميع ؛ لأن ( من ) للتبعيض . ولو وكله أن يزوجه من شاء ، جاز ، ذكره
القاضي أبو حامد ، وهذا لفظ
الروياني في " الحلية " بحروفه . وقد صرح
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي في " البسيط " بأنه إذا قال : بع من شئت من عبيدي ، يبيع جميعهم ؛ لأن ( من ) للتبعيض . فلو باعهم إلا واحدا ، جاز ، قال أصحابنا : لو قال : بع هذا العبد ، أو هذا ، لم يصح . ولو وكله ليهب من ماله ما يرى ، قال في " الحاوي " : لا يصح . وقياس ما سبق ، أنه يصح . - والله أعلم - .
الثانية : التوكيل في الشراء . ولا يكفي
[ فيه ] أن يقول : اشتر لي شيئا ، أو حيوانا ، أو رقيقا ، بل يشترط أن يبين أنه عبد أو أمة . والنوع ، كالتركي والهندي وغيرهما . ولا يشترط
[ ص: 297 ] استقصاء أوصاف السلم ، ولا ما يقرب منها بلا خلاف . فإن اختلفت أصناف نوع اختلافا ظاهرا ، قال
الشيخ أبو محمد : لا بد من التعرض للصنف . وأما الثمن ، فلا يشترط بيان قدره على الأصح . وعلى الثاني : يشترط بيان قدره أو غايته ، بأن يقول : من مائة إلى ألف . وحكى صاحب " التقريب " وجها : أنه يصح
التوكيل بشراء عبد مطلقا ، وهذا لوجه ، ضعيف جدا . وإذا طرد في قوله : اشتر شيئا ، كان أبعد .
قلت : ذكر في " البسيط " ترددا في قوله : اشتر شيئا تفريعا على هذا الوجه . - والله أعلم - .
ولو
قال : اشتر لي عبدا كما تشاء ، فقيل : يصح ، كما لو قال في القراض : اشتر من شئت من العبيد . والصحيح الذي عليه الأكثرون : لا يصح . والفرق ، أن المقصود هناك الربح ، والعامل أعرف به . ولو وكله في شراء دار ، يشترط ذكر المحلة والسكة . وفي الحانوت يذكر السوق ، وعلى هذا القياس .
قلت : وفي ذكر الثمن ، الوجهان . - والله أعلم - .
الثالثة :
التوكيل في الإبراء ، يشترط فيه علم الموكل إذا قلنا بالأظهر : إنه لا يصح الإبراء عن المجهول كما سبق في كتاب ( الضمان ) . ولا يشترط علم الوكيل على الأصح ، وبه قطع القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي . وفي " المهذب " و " التهذيب " : اشتراط علمه بجنسه وقدره كما لو قال : ( بع ) بما باع به فلان فرسه ، فإنه يشترط لصحة البيع علم الوكيل دون الموكل . ولا يشترط في الإبراء علم من عليه الحق على الصحيح ، والخلاف فيه مبني على ما سبق أن الإبراء إسقاط أو تمليك . فإن قلنا : تمليك ، اشترط علمه كالمتهب ، وإلا ، فلا . ثم إن كانت صيغته : أبرئ فلانا عن ديني ، أبرأه عن جميعه . وإن قال : عن شيء منه ، أبرأه عن قليل منه . وإن قال : عما شئت ، أبرأه عما شاء ، وأبقى شيئا .
[ ص: 298 ] قلت : قوله : أبرئه عن قليل منه ، يعني أقل ما ينطلق عليه اسم الشيء ، كذا صرح به في " التتمة " ، وهو واضح . ولو قال : أبرئه عن جميعه ، فأبرأ عن بعضه ، جاز ، بخلاف ما لو باع بعض ما أمره ببيعه . - والله أعلم - .
الرابعة :
قال : وكلتك في مخاصمة خصماي ، وأطلق ، صح على الأصح وصار وكيلا في جميع الخصومات . وقيل : يشترط تعيين من يخاصمه ، لاختلاف الغرض به .