[ ص: 365 ] الركن الرابع :
الصيغة ، وفيه مسائل .
إحداها :
قول القائل : لفلان كذا ، صيغة إقرار . وقوله : لفلان علي ، أو في ذمتي ، إقرار بالدين ظاهرا . وقوله : عندي أو معي ، إقرار بالعين . وقوله : له قبلي كذا ، قال في " التهذيب " : هو دين ، ويشبه أن يكون صالحا للدين والعين جميعا .
قلت : قوله : إقرار بالعين ، معناه : أنه يحمل عند الإطلاق على أن ذلك عين مودعة له عنده ، قاله
البغوي . قال : حتى لو ادعى بعد الإقرار أنها كانت وديعة تلفت ، أو رددتها ، قبل قوله بيمينه بخلاف ما إذا قلنا : إنه دين ، فإنه لو فسره بالوديعة ، لم يقبل . وإذا ادعى التلف ، لم ينفعه ، بل يلزمه الضمان . والله أعلم .
الثانية : إذا
قال رجل : لك علي ألف ، فقال في جوابه : زن ، أو خذ ، أو استوف ، أو اتزن ، لم يكن إقرارا ؛ لأنه ليس بالتزام ، ولأنه قد يذكر للاستهزاء . وفي وجه : اتزن ، إقرار ، وهو شاذ . ولو قال : خذه ، أو زنه ، أو اختم عليه ، أو شده في هميانك ، أو اجعله في كيسك ، أو اختم عليه ، فليس بإقرار على الصحيح ، وقال
الزبيري : إقرار .
قلت : ولو قال : وهي صحاح ، فهو كقوله : زنه . والله أعلم .
ولو قال في الجواب : بلى ، أو نعم ، أو أجل ، أو صدقت ، فهو إقرار . قالوا : ولو قال : لعمري فإقرار . ولعل العرف يختلف فيه . ولو قال : أنا مقر به ، أو
[ ص: 366 ] بما تدعيه ، أو لست منكرا له فهو إقرار له . ولو قال : أنا مقر ، ولم يقل : به ، أو لست منكرا ، أو أنا أقر ، فليس بإقرار . ولو قال : أنا أقر لك به ، فوجهان .
نسب الإمام كونه إقرارا إلى الأكثرين . وفيه نظر ؛ لأن العراقيين ، والقاضي
حسينا nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني قطعوا بأنه ليس بإقرار ، ولا يحكى الوجه الآخر إلا نادرا . ويتأيد كونه إقرارا بأنهم اتفقوا على أنه لو
قال : لا أنكر ما تدعيه ، كان إقرارا ، ولم يحملوه على الوعد بالإقرار . ولو
قال : لا أنكر أن يكون محقا ، فليس بإقرار ، لجواز أن يريد في شيء آخر . فلو قال : فيما يدعيه ، فهو إقرار . ولو قال : لا أقر به ولا أنكره ، فهو كسكوته ، فيجعل منكرا ، وتعرض عليه اليمين . ولو قال : أبرأتني منه ، أو قضيته ، فإقرار ، وعليه بينة القضاء والإبراء . وفي وجه : أبرأتني منه ، ليس بإقرار ، وليس بشيء . ولو قال : أقررت بأنك أبرأتني واستوفيت مني فليس بإقرار .
ولو قال في الجواب : لعل ، أو عسى ، أو أظن ، أو أحسب ، أو أقدر ، فليس بإقرار .
فرع
اللفظ وإن كان صريحا في التصديق ، فقد تنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب . ومن جملتها : الأداء ، والإبراء ، وتحريك الرأس الدال على شدة التعجب والإنكار ، فيشبه أن يحمل قول الأصحاب : إن صدقت ، وما في معناها ، إقرار على غير هذه الحالة . فأما إذا اجتمعت القرائن ، فلا تجعل إقرارا . ويقال : فيه خلاف ، لتعارض اللفظ والقرينة ، كما لو قال : لي عليك ألف ،
[ ص: 367 ] فقال فالجواب على سبيل الاستهزاء : لك علي ألف ، فإن
المتولي حكى فيه وجهين .