فصل
في مسائل تتعلق بالإقرار وإن كان بعضها أجنبيا
إحداها :
في يده جارية ، فقال رجل : بعتكها بكذا وسلمتها ، فأد الثمن . فقال : بل زوجتنيها بصداق كذا وهو علي ، فله حالان :
أحدهما : أن يجري التنازع قبل أن يولدها صاحب اليد ، فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعى عليه ، فإن حلفا ، سقطت دعوى الثمن والنكاح ، ولا مهر ، سواء دخل بها صاحب اليد ، أم لا ؛ لأنه وإن أقر بالمهر لمن كان مالكا ، فهو منكر له ، وتعود الجارية إلى المالك . ثم أحد الوجهين ، أنها تعود إليه كعود المبيع إلى البائع ، لإفلاس المشتري بالثمن .
والثاني : تعود بجهة أنها لصاحب اليد بزعمه ، وهو يستحق عليه الثمن ، وقد ظفر بغير جنس حقه . فعلى هذا ، يبيعها ويستوفي حقه من ثمنها . فإن فضل شيء ، فهو لصاحب اليد ، ولا يحل له وطؤها . وعلى الأول : يحل وطؤها والتصرف ، ولا بد من التلفظ بالفسخ . وإن حلف أحدهما فقط ، نظر ، إن حلف مدعي الثمن على نفي التزويج ، ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء ، حلف المدعي اليمين المردودة على الشراء ، ووجب الثمن . وإن حلف صاحب اليد على نفي
[ ص: 410 ] الشراء ونكل الآخر عن اليمين على نفي التزويج ، حلف صاحب اليد اليمين المردودة على النكاح ، وحكم له بالنكاح ، وبأن رقبتها للآخر . ثم لو ارتفع النكاح بطلاق أو غيره ، حلت للسيد في الظاهر . وكذا في الباطن إن كان كاذبا . وعن القاضي
حسين : أنه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه ، اكتفى من الثاني بيمين واحدة يجمع فيها بين النفي والإثبات .
والصحيح الأول .
الحال الثاني : أن يولدها صاحب اليد ، فالولد حر ، والجارية أم ولد له باعتراف المالك القديم ، وهو يدعي الثمن ، فيحلف صاحب اليد على نفيه . فإن حلف على نفي الشراء ، سقط عنه الثمن المدعى . وهل يرجع المالك عليه بشيء ؟ وجهان :
أحدهما : يرجع بأقل الأمرين من الثمن والمهر ؛ لأنه يدعي الثمن ، وصاحب اليد مقر له بالمهر ، فالأقل منهما متفق عليه .
والثاني : لا يرجع بشيء ؛ لأن صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه ، والمهر الذي يقر به لا يدعيه الآخر ، فلا يمكن من المطالبة . وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفي الزوجية بعد ما حلف على نفي الشراء ؟ وجهان :
أحدهما : لا ؛ لأنه لو
ادعى ملكها وتزويجها بعد اعترافه بأنها أم ولد للآخر ، لم يقبل ، فكيف يحلف على ما لو أقر به لم يقبل ؟ !
والثاني : نعم ، طمعا في أن ينكل فيحلف ويثبت له النكاح . ولو نكل صاحب اليد [ عن اليمين ] على نفي الشراء ، حلف المالك القديم اليمين المردودة . وعلى كل حال ، فالجارية مقررة في يد صاحب اليد ، فإنها أم ولده أو زوجته ، وله وطؤها في الباطن . وفي الحل ظاهرا ، وجهان . أصحهما : تحل . ووجه المنع : أنه لا يدري ، أيطأ زوجته أم مملوكته ؟ وإذا اختلفت الجهة ، وجب الاحتياط للبضع ، ونفقتها على صاحب اليد إن جوزنا له الوطء ، وإلا فقولان :
أحدهما : على المالك القديم ، لأنها كانت عليه . وأظهرهما : أنها في كسب الجارية . فإن لم يكن كسب ، ففي بيت المال . ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد ، ماتت قنة ، وللمالك القديم أخذ القيمة
[ ص: 411 ] مما تركته من أكسابها ، وما فضل فموقوف لا يدعيه أحد . وإن ماتت بعد موت المستولد ، ماتت حرة ، ومالها لوارثها بالنسب . فإن لم يكن ، فهو موقوف ؛ لأن الولاء لا يدعيه واحد منهما ، وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها ؛ لأن الثمن بزعمه على المستولد وهي قد عتقت بموته ، فلا يؤدي دينه مما جمعته بعد الحرية . هذا كله فيما إذا أصر على كلاميهما . أما إذا رجع المالك القديم ، وصدق صاحب اليد ، فلا يقبل في رد حرية الولد وثبوت الاستيلاد ، وتكون أكسابها له ما دام المستولد حيا . فإذا مات ، عتقت وكانت أكسابها لها . ولو رجع المستولد ، وصدق المالك القديم ، لزمه الثمن وكان ولاؤها له .
المسألة الثانية :
إقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول . فلو أقر بعضهم بدين ، وأنكر بعضهم ، فقولان .
القديم : أن على المقر قضاء جميع الدين من حصته من التركة إن وفى به ، وإلا فيصرف جميع حصته إليه ؛ لأنه إنما يستحق بعد قضاء الدين .
والجديد : أنه لا يلزمه إلا بقسط حصته من التركة . فعلى الجديد : لو مات المنكر وورثه المقر ، فهل يلزمه الآن جميع الدين المقر به ؟ وجهان .
أصحهما : نعم ، لحصول جميع التركة في يده ، ويتفرع على القولين فرعان :
أحدهما : لو شهد بعض الورثة بدين على المورث . إن قلنا : لا يلزمه بالإقرار إلا حصته ، قبلت شهادته ، وإلا فلا ؛ لأنه متهم . وسواء كانت الشهادة بعد الإقرار أو قبله .
الثاني :
كيس في يد رجلين فيه ألف . قال أحدهما لثالث : لك نصف ما في هذا الكيس ، فهل يحمل إقراره على النصف المضاف إليه ، أم على نصف ما في يده ، وهو الربع ؟ وجهان بناء على القولين .
قلت : أفقههما الأول . والله أعلم .