الباب الثاني في أحكامها
وهي ثلاثة .
الأول : الضمان . فإذا
تلفت العين في يد المستعير ، ضمنها ، سواء تلفت بآفة سماوية أم بفعله ، بتقصير أم بلا تقصير ، هذا هو المشهور . وحكي قول : أنها لا تضمن إلا بالتعدي فيها ، وهو ضعيف . ولو أعار بشرط أن يكون أمانة ، لغا الشرط وكانت مضمونة ، وإذا ضمن ، ففي القيمة المعتبرة أوجه .
أصحها : قيمته يوم التلف .
والثاني : يوم القبض .
والثالث : أقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف . ويبنى على هذا الخلاف ، أن العارية إذا ولدت في يد المستعير ، هل يكون الولد مضمونا في يده ؟ إن قلنا بالثالث ، كان مضمونا ، وإلا فلا . وليس له استعماله بلا خلاف .
قلت : ولو استعار دابة وساقها ، فتبعها ولدها ، ولم يتكلم المالك فيه بإذن ولا نهي ، فالولد أمانة ، قاله
القاضي حسين في " الفتاوى " . والله أعلم .
والمقبوض على جهة السوم ، إذا تلف ، في المعتبر من قيمته هذه الأوجه ، لكن قال الإمام : الأصح فيه قيمته يوم القبض . وقال غيره : الأصح يوم التلف
[ ص: 432 ] هذا إذا تلفت العارية لا بالاستعمال ، أما
إذا تلفت بالاستعمال المأذون فيه ، بأن انمحق الثوب باللبس ، فلا يجب ضمانه على الأصح كالأجزاء . وقيل : يضمن ، فعلى هذا ، وجهان :
أحدهما : يضمن العين بجميع أجزائها ، وبه قطع الإمام . وأصحهما : يضمنه في آخر حالات التقويم ، وبه قطع
البغوي . وأما الأجزاء ، فما تلف منها بسبب استعمال المأذون فيه ، كانمحاق الثوب باللبس ، لا يجب ضمانه على الصحيح ، وما تلف منها بغير الاستعمال ، ففيه وجهان :
أحدهما : لا يضمن ، كالتالف بالاستعمال . وأصحهما : الضمان ، كتلف العين كلها . وأما إذا تلفت الدابة بسبب الركوب والحمل المعتاد ، فهو كانمحاق الثوب ، وتعييبها به كالانمحاق . وعن
القفال : لو قرح ظهرها بالحمل وتلفت منه ، يضمن ، سواء تعدى بما حمل ، أم لا ؛ لأنه إنما أذن في الحمل ، لا في الجراحة ، وردها إلى المالك لا يخرجه عن الضمان ؛ لأن السراية تولدت من مضمون ، وهذا في الحمل الذي هو غير متعد به ، تفريع على وجوب الضمان في صورة الانمحاق ، كذا ذكره الإمام .
فرع
مؤنة الرد على المستعير ، هذا كله إذا استعار من المالك . فلو استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة ، فتلفت العين ، فوجهان :
أحدهما : يضمن كما لو استعار من المالك . وأصحهما : لا يضمن ؛ لأن المستأجر لا يضمن وهذا نائبه ، ومؤنة الرد في هذه الاستعارة على المستعير إن رد على المستأجر ، وعلى المالك إن رد عليه كما لو رد عليه المستأجر .