وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تحريم
الغصب ، وفيه بابان .
الأول : في الضمان ، وفيه أربعة أطراف .
[ ص: 4 ]
الأول : في
الموجب للضمان ، والغصب وإن كان موجبا للضمان ، فلا ينحصر الموجب فيه ، بل الإتلاف أيضا مضمن ، وكذلك الاستعارة والاستيام وغيرهما ، والإتلاف يكون بالمباشرة أو بالتسبب . وما له مدخل في الهلاك ، فقد يضاف إليه الهلاك حقيقة ، وقد لا . وما لا فقد يقصد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك حقيقة ، وقد لا لأن الذي يضاف إليه الهلاك يسمى علة والإتيان به مباشرة ، وما لا يضاف إليه الهلاك ويقصد بتحصيله ما يضاف إليه ، يسمى سببا ، والإتيان به تسببا . وهذا القصد والتوقع قد يكون لتأثيره بمجرده فيه ، وهو علة العلة ، وقد يكون بانضمام أمور إليه وهي غير بعيدة الحصول . فمن المباشرة : القتل ، والأكل ، والإحراق . ومن التسبب : الإكراه على إتلاف مال الغير . ومنه ما إذا حفر بئرا في محل عدوان ، فتردت فيها بهيمة ، أو عبد ، أو حر ، فإن رداه غيره ، فالضمان على المباشر المردي ، لأن المباشرة مقدمة على السبب ، وسيأتي تمام هذا وبيان محل العدوان في كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى .
فرع
لو
فتح رأس زق فضاع ما فيه نظر إن كان
[ مطروحا ] على الأرض فاندفق ما فيه بالفتح ، ضمن . وإن كان منتصبا لا يضيع ما فيه لو بقي كذلك ، لكنه سقط ، نظر إن سقط بفعله بأن كان يحرك الوكاء ويجذبه حتى أفضى إلى السقوط ضمن ، وكذا لو سقط بما يقصد تحصيله بفعله بأن فتح رأسه ، فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا ، حتى ابتل أسفله وسقط ، ضمن . وإن سقط بعارض كزلزلة ، أو هبوب ريح ، أو وقوع طائر ، فلا ضمان ، ولو
فتح رأسه فأخذ ما فيه في الخروج ، ثم جاء آخر ونكسه مستعجلا ، فضمان الخارج بعد النكس ، هل هو
[ ص: 5 ] عليهما كالجارحين ، أم على الثاني فقط كالحاز مع الجارح ؟ فيه وجهان . أصحهما : الثاني . هذا إذا كان ما في الزق مائعا . فإن كان جامدا فطلعت الشمس فأذابته وضاع ، أو ذاب بمرور الزمان وتأثير حرارة الريح فيجب الضمان على الأصح . ويجري الوجهان ، فيما لو
أزال أوراق العنب وجرد عناقيده للشمس فأفسدتها ، وفيما لو ذبح شاة رجل فهلكت سخلتها أو حمامة فهلك فرخها ، لفقد ما يصلح لهما . ولو جاء آخر وقرب نارا من الجامد فذاب وضاع ، فوجهان . أحدهما : لا ضمان على واحد منهما ، وأصحهما : يضمن الثاني . ويجري الوجهان فيما لو قرب الفاتح أيضا النار ، وفيما لو كان رأس الزق مفتوحا فجاء رجل وقرب منه النار .
فرع
لو
حل رباط سفينة فغرقت بالحل ، ضمن ، ولو غرقت بحادث كهبوب ريح أو غيره ، لم يضمن . وإن لم يظهر حادث ، فوجهان . وليكن الأمر كذلك في مسألة الزق إذا لم يظهر حادث لسقوطه .
فرع
فتح قفصا عن طائر وهيجه حتى طار ضمنه . فإن لم يزد على الفتح فثلاثة أقوال . أظهرها : إن طار في الحال ضمن ، وإلا فلا . والثاني : يضمن مطلقا . والثالث : لا يضمن مطلقا . وفي ما جمع في فتاوى
القفال - تفريعا على وجوب الضمان إذا طار في الحال - : أنه لو وثبت هرة بمجرد فتح القفص ودخلته وقتلت الطائر لزمه الضمان ، لأنه في معنى إغراء الهرة ، وأنه لو كان القفص مغلقا فاضطرب بخروج الطائر وسقط فانكسر ، لزم الفاتح ضمانه . وأنه لو كسر الطائر في خروجه
[ ص: 6 ] قارورة رجل ، لزمه ضمانها ، لأن فعل الطائر منسوب إليه ، وأنه لو كان شعير في جراب مشدود الرأس ، بجنبه حمار ، ففتح رأسه فأكله الحمار في الحال ، لزم الفاتح ضمانه ، ولو
حل رباط بهيمة أو فتح باب الإصطبل فخرجت وضاعت ، فالحكم على ما ذكرنا في القفص . ولو خرجت في الحال وأتلفت زرع رجل ، قال
القفال : إن كان نهارا لم يضمن الفاتح ، وإن كان ليلا ضمن ، كدابة نفسه . وقال العراقيون : لا يضمن ، إذ ليس عليه حفظ بهيمة الغير عن الزروع .
قلت : قطع
nindex.php?page=showalam&ids=13459ابن كج بما قاله
القفال . والله أعلم .
ولو
حل قيد العبد المجنون ، أو فتح باب السجن ، فذهب فهو كما لو حل رباط البهيمة . وإن كان العبد عاقلا ، نظر ، إن لم يكن آبقا فلا ضمان ، لأن له اختيارا صحيحا ، فذهابه محال عليه ، وإن كان آبقا فلا ضمان أيضا على الأصح ، وقيل : هو كحل رباط البهيمة ، ففيه التفصيل .
فرع
لو
وقع طائر على جداره فنفره لم يضمن ، لأنه كان ممتنعا قبله ، التفصيل ولو رماه في الهواء فقتله ضمنه ، سواء هواء داره وغيره ، إذ ليس له منع الطائر من هواء ملكه .
فرع
لو
فتح باب الحرز فسرق غيره ، أو دل سارقا فسرق ، أو أمر غاصبا فغصب ، أو
بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا وضاع ، فلا ضمان عليه : ولو
حبس المالك عن ماشيته حتى تلفت فلا ضمان ، لأنه لم يتصرف في المال ، كذا قالوه ،
[ ص: 7 ] ولعل صورته فيما إذا لم يقصد منعه عن الماشية ، وإنما قصد حبسه فأفضى الأمر إلى هلاكها ، لأن
المتولي قال : لو
كان له زرع ونخيل ، وأراد سوق الماء إليها فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت ، ففي الضمان الوجهان فيما لو فتح الزق عن جامد فذاب بالشمس وضاع .
قلت : الأصح في صورتي الحبس عن الماشية والسقي : أنه لا ضمان ، بخلاف فتح الزق لما ذكرنا أنه لم يتصرف في المال . والله أعلم .
ولو غصب هادي القطيع فتبعه القطيع ، أو غصب البقرة فتبعها العجل ، لم يضمن القطيع والعجل على الأصح .
فرع
لو
نقل صبيا حرا إلى مضبعة ، فاتفق سبع فافترسه ، فلا ضمان لإحالة الهلاك على اختيار الحيوان ومباشرته . ولو نقله إلى مسبعة فافترسه سبع ، فلا ضمان أيضا ، هذا هو المذهب والمعروف في كتب الأصحاب ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي فيه وجهين ، وليس بمعروف .