الباب الثاني في
كيفية الأخذ بالشفعة
فيه أطراف .
الأول : فيما يحصل به الملك ، لا يشترط في
التملك بالشفعة حكم الحاكم ، ولا إحضار الثمن ، ولا حضور المشتري ، ولا رضاه . وقال
الصعلوكي : حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط ، وهو شاذ ضعيف ، ولا بد من جهة الشفيع من لفظ ، كقوله : تملكت ، أو اخترت الأخذ بالشفعة ، أو أخذته بالشفعة ، وما أشبهه . وإلا فهو من باب المعاطاة . ولو قال : أنا مطالب بالشفعة ، لم يحصل به التملك
[ ص: 84 ] على الأصح ، وبه قطع
المتولي . ولذلك قالوا : يعتبر في التملك بها ، أن يكون الثمن معلوما للشفيع ، ولم يشترطوا ذلك في الطلب . وينبغي أن يكون في صحة التملك مع جهالة الثمن ما ذكرناه في بيع المرابحة . وفي " التتمة " إشارة إلى نحوه ، ثم لا يملك الشفيع بمجرد اللفظ ، بل يعتبر معه أحد أمور .
الأول : أن يسلم العوض إلى المشتري فيملك به قبل أن يسلمه وإلا فيخلي بينه وبينه ، أو يرفع الأمر إلى القاضي حتى يلزمه التسليم .
قلت : أو يقبض عنه القاضي . والله أعلم .
الثاني : أن يسلم المشتري الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمته ، إلا أن يبيع شقصا من دار عليها صفائح ذهب بالفضة ، أو عكسه ، فيجب التقابض في المجلس . ولو رضي بكون الثمن في ذمته ، ولم يسلم الشقص ، فوجهان . أحدهما : لا يحصل الملك ، لأن قول المشتري وعد . وأصحهما : الحصول ، لأنه معاوضة ، والملك في المعاوضات لا يقف على القبض .
الثالث : أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقه بالشفعة ، ويختار التملك فيقضي القاضي له بالشفعة ، فوجهان . أحدهما : لا يحصل الملك حتى يقبض عوضه ، أو يرضى بتأخره . وأصحهما : الحصول .
الرابع : أن يشهد عدلين على الطلب واختيار الشفعة . فإن لم نثبت الملك بحكم القاضي ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان لقوة قضاء القاضي . وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الأول ، لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن ، وأن يسلمه المشتري قبل أداء الثمن ، ولا يلزمه أن يؤخر حقه بتأخير البائع حقه . وإذا لم
[ ص: 85 ] يكن الثمن حاضرا وقت التملك ، أمهل ثلاثة أيام ، فإن انقضت ولم يحضره ، فسخ الحاكم تملكه ، هكذا قاله
ابن سريج والجمهور . وقيل : إذا قصر في الأداء ، بطل حقه . وإن لم يوجد ، رفع الأمر إلى الحاكم وفسخ منه .
فرع
يثبت
خيار المجلس للشفيع على الأصح المنصوص ، وعلى هذا فيمتد إلى مفارقته المجلس . وهل ينقطع بأن يفارقه المشتري ؟ وجهان .
قلت : الذي صححه الأكثرون : أنه لا خيار للشفيع ، ممن صححه صاحب " التنبيه " ،
والفارقي ،
والرافعي في المحرر ، وقطع به
البغوي في كتابيه " التهذيب " وشرح " مختصر
المزني ، وهو الراجح أيضا في الدليل . والله أعلم .
فرع
إذا ملك الشفيع ، امتنع تصرف المشتري ، فلو طلبه ولم يثبت الملك بعد ، لم يمتنع ، وفيه احتمال للإمام ، لتأكد حقه بالطلب . وفي نفوذ تصرف الشفيع قبل القبض إذا كان قد سلم الثمن وجهان . أصحهما : المنع كالمشتري . والثاني : الجواز ، لأنه قهري كالإرث . ولو ملك بالإشهاد أو بقضاء القاضي ، لم ينفذ تصرفه قطعا ، وكذا لو ملك برضى المشتري بكون الثمن عنده .
فرع
في
تملك الشفيع الشقص الذي لم يره ، طريقان .
[ ص: 86 ] أصحهما : أنه على قولي بيع الغائب ، إن منعناه ، لم يتملكه قبل الرؤية ، وليس للمشتري منعه من الرؤية ، وإن صححناه فله التملك . ثم قيل : خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس . وقيل : يثبت قطعا ، لأن خيار المجلس يبعد ثبوته لأحد الجانبين ، بخلاف خيار الرؤية .
قلت : هذا الثاني أصح ، وصححه الإمام . والله أعلم .
والطريق الثاني : القطع بالمنع وإن صححنا بيع الغائب ، لأن البيع جرى بالتراضي ، فأثبتنا الخيار فيه ، وهاهنا الشفيع أخذ من غير رضا المشتري ، فلا يمكن إثبات الخيار فيه . فلو رضي المشتري أن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار ، فعلى قول الغائب . وإذا جوزنا له التملك وأثبتنا الخيار ، فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن وإقباض المبيع حتى يراه ، ليكون على ثقة منه .
فرع
للشفيع الرد بالعيب . ولو أفلس وكان المشتري سلم إليه الشقص راضيا بذمته ، فله الاسترداد .