فصل
في الاختلاف
وفيه مسائل .
الأولى :
قال المشتري : عفوت عن شفعتك ، أو قصرت ، فسقطت ، فالقول قول الشفيع .
[ ص: 97 ] الثانية :
قال : اشتريت بألف ، فقال الشفيع : بل بخمسمائة . صدق المشتري ، لأنه أعلم بعقده . وكذا لو كان الثمن عرضا ، وتلف ، واختلفا في قيمته ، فإن نكل المشتري ، حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه . فإن كان لأحدهما بينة ، قضي بها . ولا تقبل شهادة البائع للمشتري على الصحيح ، لأنه يشهد بحق نفسه . وقيل : تقبل ، لأنه لا يجر لنفسه نفعا ، والثمن ثابت له بإقرار المشتري . ولو شهد للشفيع ، فهل يقبل قوله ؟ فيه أوجه . أحدها : لا ، وبه قطع العراقيون ، لأنه يشهد على فعله . والثاني : نعم ، وصححه
البغوي ، لأنه ينقض حقه . والثالث : إن شهد قبل قبضه الثمن ، قبلت ، لأنه ينقض حقه ، إذ لا يأخذ أكثر مما شهد به ، وإن شهد بعده ، فلا ، لأنه يجر إلى نفسه نفعا ، فإنه إذا قل الثمن ، قل ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق . وإن أقام كل واحد منهما بينة ، فوجهان ، أحدهما : تقدم بينة المشتري ، كما أن بينة الداخل أولى من بينة الخارج . وأصحهما : أنهما تتعارضان ، لأن النزاع هنا فيما وقع العقد به ، ولا دلالة لليد عليه . فعلى هذا إن قلنا : تسقطان ، فهو كما لو لم يكن بينة . وإن قلنا تستعملان ، فالاستعمال هنا بالقرعة أو الوقف .
الثالثة :
اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن ، فإن ثبت قول المشتري ، فذاك ، وإن ثبت قول البائع بالبينة أو اليمين المردودة ، لزم المشتري [ ما ادعاه البائع وأخذ الشفيع بما ادعاه المشتري ] . وتقبل شهادة الشفيع للبائع ، ولا تقبل للمشتري ، لأنه متهم في تقليل الثمن . وإن لم تكن بينة ، وتحالفا ، وفسخ عقدهما أو انفسخ ، فإن جرى ذلك بعدما أخذ الشفيع الشقص ، أقر في يده ، وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع . وإن جرى قبل الأخذ ، ففي سقوط حقه الخلاف السابق في
[ ص: 98 ] خروجه معيبا . فإن قلنا : لا يسقط ، أخذه بما حلف عليه البائع ، لأن البائع اعترف باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن ، فيأخذه منه وتكون عهدته على البائع .
الرابعة :
أنكر المشتري كون الطالب شريكا ، فالقول قول المشتري بيمينه ، فيحلف على نفي العلم بشركته ، لا على نفي شركته ، فإن نكل ، حلف الطالب على البت وأخذ بالشفعة ، وكذا الحكم لو أنكر تقدم ملك الطالب على ملكه .
الخامسة : إذا
كانا شريكين في عقار ، فغاب أحدهما ، ورأينا نصيبه في يد ثالث ، فادعى الحاضر عليه أنه اشتراه ، وأنه يستحقه بالشفعة ، فإن كان للمدعي بينة ، قضي بها وأخذه بالشفعة . ثم إن اعترف المدعى عليه ، سلم الثمن إليه ، وإلا فهل يترك الثمن في يد المدعي إلى أن يقر المدعى عليه ، أم يأخذه القاضي ويحفظه ، أم يجبر على قبوله أو الإبراء منه ؟ فيه ثلاثة أوجه مذكورة في باب الإقرار وغيره .
ولو أقام المدعي بينة ، وجاء المدعى عليه ببينة أنه ورثه أو اتهبه ، تعارضتا . وإن جاء ببينة أن الغائب أودعه إياه ، أو أعاره ، فإن لم يكن للبينتين تاريخ ، أو سبق تاريخ الإيداع ، فلا منافاة فيقضى بالشفعة ، لأنه ربما أودعه ثم باعه ، وإن سبق تاريخ البيع ، فلا منافاة أيضا ، لاحتمال أن البائع غصبه بعد البيع ثم رده إليه بلفظ الإيداع ، فاعتمده الشهود . فإن انقطع الاحتمال بأن كان تاريخ الإيداع متأخرا ، وقال الشهود : أودعه وهي ملكه ، فها هنا يراجع الشريك القديم . فإن قال : وديعة ، سقط حكم الشراء . وإن قال : لا حق لي فيه ، قضي بالشفعة . أما إذا لم يكن للمدعي بينة ، فللمدعى عليه في الجواب أحوال .
أحدها : أن يقر بأنه كان لذلك الغائب فاشتراه منه ، فهل للمدعي أخذه ؟ وجهان . أحدهما : لا ، إذ لا يقبل قوله على الغائب ، فيوقف الأمر حتى يكاتب ، هل هو مقر بالبيع ؟ وأصحهما : نعم ، لتصادقهما على البيع ، ويكتب القاضي في
[ ص: 99 ] السجل أنه أثبت الشفعة بتصادقهما ، فإذا قدم الغائب ، فهو على حقه . الثاني : أن ينكر أصل الشراء ، فيصدق بيمينه . ثم إن اقتصر في الجواب على أنه لا يستحق أخذه بالشفعة أو أنه لا يلزمه التسليم إليه حلف كذلك ولم يلزمه التعرض لنفي الشراء . وإن قال في الجواب : لم أشتره ، بل ورثته ، أو اتهبته ، فيحلف لذلك ، أم يكفي الحلف على أنه لا يستحق الشفعة ؟ وجهان سبقا في دعوى عيب المبيع . وإن نكل المدعى عليه ، حلف الطالب واستحق الشقص . وفي الثمن الأوجه السابقة . هذا إذا أنكر الشراء ، والشريك القديم غير معترف بالبيع ، فإن كان معترفا والشقص في يده ، نظر ، إن لم يعترف بقبض الثمن ، ثبتت الشفعة على الأصح . وإلى من يسلم الثمن ؟ وجهان . أصحهما : إلى البائع ، وعهدته عليه ، لأنه يتلقى الملك منه .
والثاني : ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن منه للمشتري ويدفعه إلى البائع ، ويقبض الشقص من يد البائع للمشتري ويدفعه إلى الشفيع . وإذا أخذ البائع ثمن الشقص ، فهل له مخاصمة المشتري ومطالبته بالثمن ؟ وجهان ، لأنه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة والرجوع عليه بالدرك أسهل . فإن قلنا : نعم ، وحلف المشتري ، فلا شيء عليه . وإن نكل ، حلف البائع ، وأخذ الثمن من المشتري ، وكانت عهدته عليه .
وأما ما أخذه من الشفيع ، فهل يؤخذ منه ويوقف ، أم يترك في يده ؟ وجهان . كذا قال
البغوي ، وفي " الشامل " أن الوجهين في أنه هل يطالب المشتري فيما إذا لم يرض أخذ الثمن من الشفيع ؟ فإن رضي ، فليقنع به ، وهذا أصح . فإن اعترف مع البيع بقبض الثمن ، فإن قلنا : لا شفعة إذا لم يعترف بالقبض ، فهنا أولى ، وإلا ، فوجهان . وأصحهما : ثبوتها . ثم هل يترك الثمن في يد الشفيع ، أم يأخذه القاضي ويحفظه ، أم يجبر المشتري على قبوله والإبراء منه ؟ فيه الأوجه السابقة .
الحال الثالث : أن يقول : اشتريته لفلان ولا خصومة لك معي ، فينظر في
[ ص: 100 ] المضاف إليه أحاضر ، أم غائب ، أم صبي ؟ وحكمه ما يأتي في سائر الدعاوى إن شاء الله تعالى .