وللمعير الرجوع متى شاء ما لم يأذن في شغله بشيء يستضر المستعير برجوعه فيه ، مثل أن يعيره سفينة لحمل متاعه فليس له الرجوع ما دامت في لجة البحر ، وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت ، وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه لم يرجع ما دام عليه ، وإن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده ، وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده ، وإن أعارها للغرس أو البناء وشرط عليه القلع في وقت أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع ولا يلزمه تسوية الأرض إلا بشرط ، وإن لم يشرط عليه القلع لم يلزمه إلا أن يضمن له المعير النقص ، فإن قلع فعليه تسوية الأرض ، وإن أبى القلع فللمعير أخذه بقيمته ، فإن أبى ذلك بيعا لهما ، فإن أبيا البيع ترك بحاله .
( وللمعير الرجوع متى شاء ) لأن المنافع المستقبلة لم تحصل في يده فلم يملكها بالإعارة ، وسواء كانت مطلقة ، أو مؤقتة قبل الانتفاع أو بعده ، وعنه : إن عين مدة تعينت ، وعنه : ومع الإطلاق [ ص: 139 ] لا يرجع قبل انتفاعه ، ولزمه تركها مدة ينتفع بها في مثلها ، قال القاضي : القبض شرط في لزومها ، وقال : يحصل بها الملك مع عدم قبضها ، وأما المستعير ، فيجوز له الرد بغير خلاف نعلمه ( ما لم يأذن في شغله ) بفتح أوله وسكون ثانيه مصدر شغل يشغل ، وفيهما أربع لغات ( بشيء يستضر المستعير برجوعه فيه ، مثل أن يعيره سفينة ) فعيلة من السفن ( لحمل متاعه ) أو لوحا يرقع به سفينة فرقعها ، ولجج في البحر ( فليس له الرجوع ما دامت في لجة البحر ) لما فيه من الضرر ، وظاهره أنها إذا رست جاز الرجوع لانتفاء الضرر ( وإن أعاره أرضا للدفن لم يرجع حتى يبلى الميت ) لما فيه من هتك حرمته ، وقال ابن البنا : لا يرجع حتى يصير رميما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : يخرج عظامه ، ويأخذ أرضه ، ولا أجرة لها ، واقتضى ذلك أنه يرجع فيها قبل الدفن ( وإن أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه ) جاز كالأرض للغرس ( لم يرجع ما دام عليه ) لأن هذا يراد للبقاء ولما فيه من الضرر على المستعير ، فإن قال : أنا أدفع إليك ما نقص بالقلع لم يلزم المستعير ذلك ، وفيه احتمال ( وإن سقط عنه لهدم أو غيره لم يملك رده ) لأن الإذن تناول الحائط فلا يتعدى إلى غيره ، وقال القاضي والمؤلف : له إعارته ، وصححه الحارثي قال : وهو اللائق بالمذهب ; لأن السبب مستمر ، فكان الاستحقاق مستمرا ، وعلى الأول سواء بنى الحائط بآلته ، أو غيرها ، أو زالت الخشب بانهدام ، أو باختيار المستعير ، فإن أذن في إعادته ، أو عند الضرورة إن لم يتضرر الحائط جاز .
( وإن أعاره أرضا للزرع لم يرجع إلى الحصاد ) لما فيه من الضرر ، فإن بذل له المعير قيمة الزرع ليملكه لم يكن له ذلك ، نص عليه ; لأن له وقتا [ ص: 140 ] ينتهي إليه ( إلا أن يكون مما يحصد قصيلا فيحصده ) لعدم الضرر فيه ، ولا أجرة عليه ، اختاره المجد ( وإن أعارها للغرس أو البناء ، وشرط عليه القلع في وقت ، أو عند رجوعه ثم رجع لزمه القلع ) مجانا لقوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=10339866المسلمون على شروطهم ، ولأن العارية مؤقتة غير مطلقة فلم تتناول ما عدا المقيد ، ولأن المستعير دخل فيها راضيا بالتزام الضرر الداخل عليه بالقلع ، وظاهره ليس على صاحب الأرض ضمان نقصه بغير خلاف نعلمه .
( ولا يلزمه تسوية الأرض ) لرضاه بضرر القلع ( إلا بشرط ) جزم به في " الوجيز " ، و " المستوعب " لما ذكرنا ، وقيل : يلزمه مطلقا ( وإن لم يشرط عليه القلع لم يلزمه ) لما فيه من ضرر ( إلا أن يضمن له المعير النقص ) فيلزمه ; لأنه رجوع في العارية من غير إضرار ، وقال الحلواني : لا يلزمه ( فإن قلع ) المستعير ، وليس مشروطا عليه ( فعليه تسوية الأرض ) لأن القلع باختياره ، ولو امتنع منه لم يجبر عليه ، فلزمته التسوية كالمشتري لما فيه شفعة إذا أخذ غرسه ، وقال القاضي وجماعة : لا يلزمه ; لأن المعير رضي بذلك حيث أعاره مع علمه بأن له قلع غرسه الذي لا يمكن إلا بالحفر ( وإن أبى القلع ) أي في حال لا يجبر عليه فيها ( فللمعير أخذه بقيمته ) ويجبر المستعير على ذلك ; لأن غرسه أو بناءه حصل في ملك غيره كالشفيع مع المشتري ، والمؤجر مع المستأجر ، فإن قال المستعير : أنا أدفع قيمة الأرض لتصير لي لم يلزم المعير ; لأنها تبع للأرض بدليل دخولهما في البيع ( فإن أبى ذلك ) أي إذا امتنع من دفع القيمة وأرش النقص ، وامتنع المستعير من القلع ودفع الأجر ( بيعا ) أي الغراس والأرض ( لهما ) [ ص: 141 ] لأن ذلك طريق إلى تحصيل مالية كل واحد منهما ، ولا بد أن يكون البيع باتفاقهما ، ويدفع إلى كل واحد قدر حقه ، فيقال : كم قيمة الأرض فارغة ، فيقال : عشرة ومشغولة بخمسة عشر ، فيكون للمعير ثلثا الثمن ، وللمستعير ثلثه ، فإن طلب أحدهما البيع أجبر الآخر عليه في الأصح ، ولكل منهما بيع ما له منفردا لمن شاء ، ويكون كهو ، وقيل : لا يصح بيع المستعير لغير المعير ( فإن أبيا البيع ترك بحاله ) أي يبقى فيها مجانا في الأصح حتى يتفقا ; لأن الحق لهما ، وقال ابن حمدان : يبيعهما الحاكم .
تنبيه : غرس المشتري وبناؤه كذلك إذا فسخ البيع بعيب ، أو فلس ، وفيه وجه لا يأخذه ، ولا يقلعه ، وقيل : إن أبى المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص ، وأبى دفع قيمته رجع أيضا .