فصل : وإن قال : غصبت هذا العبد من زيد ، لا بل من عمرو أو ملكته لعمرو وغصبته من زيد . لزمه دفعه إلى زيد ، ويغرم قيمته لعمرو . وإن قال غصبته من أحدهما بالتعيين . فيدفعه إلى من عينه له ويحلف للآخر . وإن قال : لا أعرف عينه . وصدقاه انتزع من يده ، وكانا خصمين فيه . وإن كذباه فالقول قوله مع يمينه . وإن أقر بألف في وقتين ، لزمه ألف واحد ، وإن أقر بألف من ثمن عبد ، ثم أقر بألف من ثمن فرس ، أو قرض ، لزمه ألفان وإذا ادعى رجلان دارا في يد غيرهما ، شركة بينهما بالسوية ، فأقر لأحدهما بنصفها ، فالمقر به بينهما ، وإن قال في مرض موته : هذه الألف لقطة ، فتصدقوا به . ولا مال له غيره ، لزم الورثة الصدقة بثلثه ، وحكي عن القاضي : أنه يلزمهم الصدقة بجميعه .
فصل .
( وإن قال : غصبت هذا العبد من زيد ، لا بل من عمرو ) لزمه دفعه إلى زيد ; لإقراره له به . ولم يقبل رجوعه عنه ; لأنه حق لآدمي على ما سبق . ويغرم قيمته لعمرو ؛ ولأنه حال بينه وبين ملكه لإقراره به لغيره ، فلزمه ضمانه كما لو [ ص: 347 ] أتلفه ؛ ولأنه أضرب عن الأول وأثبت للثاني ، فلا يقبل الإضراب بالنسبة إلى الأول ; لأنه إنكار بعد إقرار . ويقبل بالنسبة إلى الثاني ; لأنه لا دافع له . فإذا تعذر تسليمه إليه من أجل تعلق حق الأول به ، تعين دفع القيمة إليه . وقيل : لا يغرم لعمرو شيئا . ( أو ملكته لعمرو وغصبته من زيد لزمه دفعه إلى زيد ) لإقراره له باليد . ( ويغرم قيمته لعمرو ) للحيلولة ، وهذا هو الأشهر .
والثاني : لا يلزمه لعمرو شيئا . قاله القاضي وابن عقيل ، وقدمه في " الكافي " ; لأنه لا تفريط منه ، إذ يجوز أن يكون ملكه لعمرو وهو في يد زيد بإجارة أو غيرها .
وقيل يلزمه دفعه إلى عمرو ، ويغرم قيمته لزيد ؛ لأنه لما أقر به لعمرو أولا لم يقبل إقراره باليد لزيد . قال المؤلف : وهذا وجه حسن .
وفي " المحرر " : هو الأصح ، ولا فرق بين التقديم والتأخير ، والمتصل والمنفصل . ذكره في " الشرح " .
قال في " المحرر " و " الرعاية " : وإن قال : غصبته من زيد ، وملكته لعمرو . وأخذه زيد ولم يضمن المقر لعمرو شيئا . زاد في " الرعاية " : في الأشهر .
فائدة : قال أحمد في رجل ، قال لآخر : استودعتك هذا الثوب . قال : صدقت . ثم قال : استودعنيه رجل آخر . فالثوب للأول ، ويغرم قيمته للآخر . ( وإن قال [ ص: 348 ] غصبته من أحدهما بالتعيين ) لأنه إقرار بمجمل ، ومن أقر بمجمل لزمه البيان ، ضرورة أن الحكم لا يقع إلا على معلوم ( فيدفعه إلى من عينه له ) لأنه هو المستحق . ( ويحلف للآخر ) إن ادعاه لتكون اليمين شيئا لثبوت رد العبد أو بدله ، ولا يغرم له شيئا ; لأنه لم يقر له بشيء . ( وإن قال : لا أعرف عينه . فصدقاه انتزع من يده ) لأنه ظهر بإقراره أنه لا حق له فيه ، ولم يتعين مستحقه . ( وكانا خصمين فيه ) لأن كلا منهما يدعيه . ( وإن كذباه فالقول قوله مع يمينه ) أنه لا يعلم ; لأنه منكر . وينتزع من يده . فإن كان لأحدهما بينة حكم له به . وإن لم تكن بينة أقرعنا بينهما ، فمن قرع صاحبه حلف وسلم إليه . وإن بين الغاصب بعد ذلك مالكها ، قبل منه ، كما لو بينه ابتداء . ويحتمل : أنه إذا ادعى كل واحد أنه المغصوب منه ، توجهت عليه اليمين لكل واحد منهما أنه لم يغصبه . فإذا حلف لأحدهما لزمه دفعه للآخر ; لأن ذلك يجري مجرى تعيينه . وإن نكل عن اليمين لهما ، سلمت إلى أحدهما . ( وإن أقر بألف في وقتين ، لزمه ألف واحد ) ؛ لأن الأصل براءة الذمة من الزائد ، والعرف شاهد بذلك ؛ ولأنه لو قال : رأيت زيدا . ثم قال : رأيت زيدا . كان الثاني هو الأول ، والرؤية إنما هي الرؤية أولا .
نظير ذلك : أن الله تعالى لما أخبر عن إرسال نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى ، وكرر ذلك في مواضع ، لم تكن القصة الثانية غير الأولى . ( وإن أقر بألف من ثمن عبد ، ثم أقر بألف من ثمن فرس ، أو قرض ، لزمه ألفان ) لاختلاف سببهما ، كقوله : رأيت زيدا الطويل . ثم قال : رأيت زيدا القصير . [ ص: 349 ] لم يكن الثاني الأول ألبتة . وكذا إن ذكر ما يقتضي التعدد ، كأجلين لهما ، أو سكنين ، أو صفتين ، لزمه ألفان .
وقال القاضي ـ وجزم به في " الوجيز " ـ : إن أضافا الشركة إلى سبب واحد من إرث أو غنيمة أو شراء ونحوه ، ولم يكونا قبضاها بعد الملك لها فكذلك ، وإلا اختص المقر له بالمقر به ; لأن نصيب كل منهما يتعلق بنصيب الآخر . بدليل ما لو كان الميراث طعاما ، فهلك بعضه أو غصب ، كان الذاهب منهما ، والباقي بينهما ، فكذا الإقرار .
ومن ادعى عينا في يد زيد ، فأقر بها لعمرو ، وكذبه عمرو ـ وإن أقر له [ ص: 350 ] بكلها ـ فالمقر له مقر لشريكه في الدعوى بالنصف . وإن كان ما أقر له بالشركة ، بل ادعى كلها خاصمه في النصف . فإن ادعى على عمرو وبكر عينا في أيديهما فصدقه أحدهما ، فنصيبه له . فإن صالحه عنه بمال صح . فإن طلب المنكر الشفعة أخذها إن تعدد سبب ملكيهما ، وإن اتحد فوجهان .
( وإن قال في مرض موته : هذه الألف لقطة ، فتصدقوا به . ولا مال له غيره ، لزم الورثة الصدقة بثلثه ) قاله أبو الخطاب ، وقدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه جميع ماله ، فالأمر بالصدقة به وصية بجميع المال ، فلا يلزم منه إلا الثلث . وظاهره : لا فرق بين أن يصدقوه أو يكذبوه . ( وحكي عن القاضي : أنه تلزمهم الصدقة بجميعه ) هذه رواية ; لأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه على وجه يلزمهم الصدقة بجميعه ، فيكون ذلك إقرارا منه لغير وارث ، فيجب امتثاله . وكالإقرار في الصحة .
والأول : أصح ; لأن الإقرار في المرض يفارق الإقرار في الصحة في أشياء .
والفرق : بين الوكيل والورثة ; لأنه مأمور بخلاف الورثة ، فإن تصدقهم بذلك يستلزم لزوم ضمانه عليهم . وجزم السامري بـ : إن قلنا ، قلنا : لا يملك [ ص: 351 ] اللقطة ، فبكله وإلا بثلثه إن ملكه بعد الحول .