صفحة جزء
[ القول في كفارة الجماع في الحج ]

فأما إجماعهم على إفساد الجماع للحج فلقوله - تعالى - : ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) . واتفقوا على أن من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجه ، وكذلك من وطئ من المعتمرين قبل أن يطوف ويسعى .

واختلفوا في فساد الحج بالوطء بعد الوقوف بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة ، وبعد رمي الجمرة ، وقبل طواف الإفاضة الذي هو الواجب ، فقال مالك : من وطئ قبل رمي جمرة العقبة فقد فسد حجه ، وعليه الهدي والقضاء ، وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة والثوري : عليه الهدي بدنة وحجه تام . وقد روي مثل هذا عن مالك .

وقال مالك : من وطئ بعد رمي جمرة العقبة وقبل طواف الإفاضة فحجه تام ، وبقول مالك في أن الوطء قبل طواف الإفاضة لا يفسد الحج قال الجمهور ، ويلزمه عندهم الهدي . وقالت طائفة : من وطئ قبل طواف الإفاضة فسد حجه ، وهو قول ابن عمر .

وسبب الخلاف : أن للحج تحللا يشبه السلام في الصلاة ، وهو التحلل الأكبر - وهو الإفاضة - ، وتحللا أصغر . وهل يشترط في إباحة الجماع تحللان أو أحدهما ؟ ولا خلاف بينهم أن التحلل الأصغر الذي هو رمي الجمرة يوم النحر أنه يحل به الحاج من كل شيء حرم عليه بالحج إلا النساء والطيب والصيد ، فإنهم اختلفوا فيه ، والمشهور عن مالك أنه يحل له كل شيء إلا النساء والطيب ، وقيل عنه : إلا النساء والطيب والصيد ; لأن الظاهر من قوله : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) أنه التحلل الأكبر .

واتفقوا على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وإن لم يكن حلق ولا قصر لثبوت الآثار في ذلك إلا خلافا شاذا . وروي عن ابن عباس أنه يحل بالطواف . وقال أبو حنيفة : لا يحل إلا بعد الحلاق ، وإن جامع قبله فسدت عمرته .

واختلفوا في صفة الجماع الذي يفسد الحج وفي مقدماته : فالجمهور على أن التقاء الختانين يفسد [ ص: 305 ] الحج ، ويحتمل من يشترط في وجوب الطهر الإنزال مع التقاء الختانين أن يشترطه في الحج .

واختلفوا في إنزال الماء فيما دون الفرج ، فقال أبو حنيفة : لا يفسد الحج إلا الإنزال في الفرج . وقال الشافعي : ما يوجب الحد يفسد الحج . وقال مالك : الإنزال نفسه يفسد الحج ، وكذلك مقدماته من المباشرة والقبلة . واستحب الشافعي فيمن جامع دون الفرج أن يهدي .

واختلفوا فيمن وطئ مرارا ، فقال مالك : ليس عليه إلا هدي واحد . وقال أبو حنيفة : إن كرر الوطء في مجلس واحد كان عليه هدي واحد ، وإن كرره في مجالس كان عليه لكل وطء هدي . وقال محمد بن الحسن : يجزيه هدي واحد ، وإن كرر الوطء ما لم يهد لوطئه الأول . وعن الشافعي الثلاثة الأقوال ، إلا أن الأشهر عنه مثل قول مالك .

واختلفوا فيمن وطئ ناسيا ، فسوى مالك في ذلك بين العمد والنسيان . وقال الشافعي في الجديد لا كفارة عليه .

واختلفوا هل على المرأة هدي ؟ فقال مالك : إن طاوعته فعليها هدي ، وإن أكرهها فعليه هديان . وقال الشافعي : ليس عليه إلا هدي واحد كقوله في المجامع في رمضان .

وجمهور العلماء على أنهما إذا حجا من قابل تفرقا - أعني : الرجل والمرأة - ، وقيل لا يفترقان ، والقول بأن لا يفترقا مروي عن بعض الصحابة والتابعين ، وبه قال أبو حنيفة . واختلف قول مالك والشافعي من أين يفترقان ؟ فقال الشافعي : يفترقان من حيث أفسدا الحج ، وقال مالك : يفترقان من حيث أحرما ، إلا أن يكونا أحرما قبل الميقات .

فمن أخذهما بالافتراق فسدا للذريعة وعقوبة ، ومن لم يؤاخذهما به فجريا على الأصل ، وأنه لا يثبت حكم في هذا الباب إلا بسماع .

واختلفوا في الهدي الواجب في الجماع ما هو ؟ فقال مالك وأبو حنيفة : هو شاة . وقال الشافعي : لا تجزئه إلا بدنة ، وإن لم يجد قومت البدنة دراهم ، وقومت الدراهم طعاما ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ، قال : والإطعام والهدي لا يجزي إلا بمكة أو بمنى ، والصوم حيث شاء . وقال مالك : كل نقص دخل الإحرام من وطء أو حلق شعر أو إحصار فإن صاحبه إن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ، ولا يدخل الإطعام فيه .

فمالك شبه الدم اللازم هاهنا بدم المتمتع ، والشافعي شبهه بالدم الواجب في الفدية ، والإطعام عند مالك لا يكون إلا في كفارة الصيد وكفارة إزالة الأذى ، والشافعي يرى أن الصيام والإطعام قد وقعا بدل الدم في موضعين ، ولم يقع بدلهما إلا في موضع واحد ، فقياس المسكوت عنه على المنطوق به في الإطعام أولى ، فهذا ما يخص الفساد بالجماع .

التالي السابق


الخدمات العلمية