الفصل الثامن
في مانع الكفر .
- واتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن
ينكح الوثنية ، لقوله تعالى : (
ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) . واختلفوا في نكاحها بالملك .
واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابية الحرة ، إلا ما روي في ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر . واختلفوا في إحلال الكتابية الأمة بالنكاح ، واتفقوا على إحلالها بملك اليمين .
والسبب في اختلافهم في نكاح الوثنيات بملك اليمين ، معارضة عموم قوله تعالى : (
ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) وعموم قوله تعالى : (
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) لعموم قوله : (
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) وهن المسبيات ، وظاهر هذا يقتضي العموم ، سواء كانت مشركة أو كتابية ، والجمهور على منعها . وبالجواز قال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ومجاهد ، ومن الحجة لهم ما روي من نكاح المسبيات في غزوة أوطاس إذ استأذنوه في العزل فأذن لهم .
وإنما صار الجمهور لجواز
نكاح الكتابيات الأحرار بالعقد ، لأن الأصل بناء الخصوص على العموم
[ ص: 429 ] ( أعني : أن قوله تعالى : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) هو خصوص ، وقوله : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) هو عموم ، فاستثنى الجمهور الخصوص من العموم . ومن ذهب إلى تحريم ذلك جعل العام ناسخا للخاص ، وهو مذهب بعض الفقهاء .
وإنما اختلفوا في إحلال الأمة الكتابية بالنكاح لمعارضة العموم في ذلك القياس . وذلك أن قياسها على الحرة يقتضي إباحة تزويجها ، وباقي العموم إذا استثني منه الحرة يعارض ذلك ، لأنه يوجب تحريمها على قول من يرى أن العموم إذا خصص بقي الباقي على عمومه . فمن خصص العموم الباقي بالقياس ; أو لم ير الباقي من العموم المخصوص عموما قال : يجوز نكاح الأمة الكتابية . ومن رجح باقي العموم بعدم التخصيص على القياس قال : لا يجوز نكاح الأمة الكتابية .
وهنا أيضا سبب آخر لاختلافهم : وهو معارضة دليل الخطاب للقياس ، وذلك أن قوله تعالى (
من فتياتكم المؤمنات ) يوجب أن لا يجوز نكاح الأمة الغير مؤمنة بدليل الخطاب ، وقياسها على الحرة يوجب ذلك ، والقياس من كل جنس يجوز فيه النكاح بالتزويج ، ويجوز فيه النكاح بملك اليمين أصله المسلمات ، والطائفة الثانية : أنه ثم لم يجز نكاح الأمة المسلمة بالتزويج إلا بشرط فأحرى أن لا يجوز نكاح الأمة الكتابية بالتزويج .
وإنما اتفقوا على إحلالها بملك اليمين لعموم قوله تعالى : (
إلا ما ملكت أيمانكم ) ولإجماعهم على أن السبي يحل المسبية الغير متزوجة .
وإنما اختلفوا في المتزوجة هل يهدم السبي نكاحها ; وإن هدم فمتى يهدم ؟ فقال قوم : إن سبيا معا ( أعني : الزوج والزوجة ) لم يفسخ نكاحهما ، وإن سبي أحدهما قبل الآخر انفسخ النكاح ، وبه قال
أبو حنيفة . وقال قوم : بل السبي يهدم سبيا معا أو سبي أحدهما قبل الآخر ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وعن
مالك قولان : أحدهما : أن السبي لا يهدم النكاح أصلا . والثاني أنه يهدم بإطلاق مثل قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
والسبب في اختلافهم هل يهدم أو لا يهدم : هو تردد المسترقين الذين أمنوا من القتل بين النساء الذميين أهل العهد ; وبين الكافرة التي لا زوج لها ، أو المستأجرة من كافر .
وأما تفريق
أبي حنيفة بين أن يسبيا معا ، وبين أن يسبى أحدهما فلأن المؤثر عنده في الإحلال هو اختلاف الدار بهما لا الرق ، والمؤثر في الإحلال عند غيره هو الرق ، وإنما النظر هل هو الرق مع الزوجية أو مع عدم الزوجية ؟ والأشبه أن لا يكون للزوجية هاهنا حرمة ، لأن محل الرق . وهو الكفر سبب الإحلال .
وأما تشبيهها بالذمية فبعيد لأن الذمي إنما أعطى الجزية بشرط أن يقر على دينه فضلا عن نكاحه .