الباب الثاني .
في حكم ما وقع من الزيادة ، أو النقصان في خبر البائع بالثمن .
واختلفوا فيمن
ابتاع سلعة مرابحة على ثمن ذكره ، ثم ظهر بعد ذلك - إما بإقراره وإما ببينة - أن الثمن كان أقل ، والسلعة قائمة :
فقال
مالك ، وجماعة : المشتري بالخيار : إما أن يأخذ بالثمن الذي صح ، أو يترك إذا لم يلزمه البائع أخذها بالثمن الذي صح ، وإن ألزمه لزمه .
وقال
أبو حنيفة ،
وزفر : بل المشتري بالخيار على الإطلاق ، ولا يلزمه الأخذ بالثمن الذي إن ألزمه البائع لزمه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى ،
وأحمد ، وجماعة : بل يبقى البيع لازما لهما بعد حط الزيادة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي القولان : القول بالخيار مطلقا ، والقول باللزوم بعد الحط .
فحجة من أوجب البيع بعد الحط : أن المشتري إنما أربحه على ما ابتاع به السلعة لا غير ذلك ، فلما ظهر خلاف ما قال وجب أن يرجع إلى الذي ظهر ، كما لو أخذه بكيل معلوم فخرج بغير ذلك الكيل أنه يلزمه توفية ذلك الكيل .
وحجة من رأى أن الخيار مطلقا : تشبيه الكذب في هذه المسألة بالعيب ( أعني : أنه كما يوجب العيب الخيار كذلك يوجب الكذب ) .
وأما إذا فاتت السلعة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يحط مقدار ما زاد من الثمن ، وما وجب له من الربح . وقال
مالك : إن كانت قيمتها يوم القبض أو يوم البيع - على خلاف عنه - في ذلك مثل ما وزن المبتاع أو أقل ، فلا يرجع عليه المشتري بشيء ، وإن كانت القيمة أقل خير البائع بين رده للمشتري القيمة ، أو رده الثمن ، أو إمضائه السلعة بالثمن الذي صح .
وأما إذا
باع الرجل سلعته مرابحة ثم أقام البينة أن ثمنها أكثر مما ذكره ، وأنه وهم في ذلك وهي قائمة : فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يسمع من تلك البينة; لأنه كذبها . وقال
مالك : يسمع منها ويجبر المبتاع على ذلك الثمن ، وهذا بعيد; لأنه بيع آخر . وقال
مالك في هذه المسألة : إذا فاتت السلعة أن المبتاع مخير بين أن يعطي قيمة السلعة يوم قبضها أو أن يأخذها بالثمن الذي صح ، فهذه هي مشهورات مسائلهم في هذا الباب .
ومعرفة أحكام هذا البيع تنبني في مذهب
مالك على معرفة أحكام ثلاثة مسائل وما تركب منها ، حكم مسألة الكذب ، وحكم مسألة الغش ، وحكم مسألة وجود العيب .
فأما حكم الكذب فقد تقدم . وأما حكم الرد بالعيب فهو حكمه في البيع المطلق . وأما حكم الغش
[ ص: 572 ] عنده فهو تخيير البائع مطلقا ، وليس للبائع أن يلزمه البيع وإن حط عنه مقدار الغش كما له ذلك في مسألة الكذب ، هذا عند
ابن القاسم .
وأما عند
أشهب : فإن الغش عنده ينقسم قسمين : قسم مؤثر في الثمن ، وقسم غير مؤثر .
فأما غير المؤثر : فلا حكم عنده فيه . وأما المؤثر : فحكمه عنده حكم الكذب .
وأما التي تتركب فهي أربع مسائل : كذب وغش ، وكذب وتدليس ، وغش وتدليس بعيب ، وكذب وغش وتدليس بعيب . وأصل مذهب
ابن القاسم فيها أنه يأخذ بالذي بقي حكمه إن كان فات بحكم أحدهما ، أو بالذي هو أرجح له إن لم يفت حكم أحدهما ، إما على التخيير حيث يمكن التخيير ، أو الجمع حيث يمكن الجمع ، وتفصيل هذا لائق بكتب الفروع ( أعني : مذهب
ابن القاسم وغيره ) .