صفحة جزء
[ المسألة الثالثة ]

[ دخول الوقت ]

وأما المسألة الثالثة : ( وهو اشتراط دخول الوقت ) فمنهم من اشترطه ، وهو مذهب الشافعي ومالك ، ومنهم من لم يشترطه ، وبه قال أبو حنيفة وأهل الظاهر ، وابن شعبان من أصحاب مالك .

وسبب اختلافهم هو : هل ظاهر مفهوم آية الوضوء يقتضي أن لا يجوز التيمم والوضوء إلا عند دخول الوقت لقوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) الآية ، فأوجب الوضوء والتيمم عند وجوب القيام إلى الصلاة ، وذلك إذا دخل الوقت ، فوجب لهذا أن يكون حكم الوضوء والتيمم في هذا حكم الصلاة ( أعني أنه كما أن الصلاة من شرط صحتها الوقت ، كذلك من شروط صحة الوضوء والتيمم الوقت ) إلا أن الشرع خصص الوضوء من ذلك ، فبقي التيمم على أصله أم ليس يقتضي هذا ظاهر مفهوم الآية ، وأن تقدير قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة ، وأيضا فإنه لو لم يكن هنالك محذوف لما كان يفهم من ذلك إلا إيجاب الوضوء والتيمم عند وجوب الصلاة فقط ، لا أنه لا يجزئ إن وقع قبل الوقت إلا أن يقاسا على الصلاة ، فلذلك الأولى أن يقال في هذا إن سبب الخلاف فيه هو قياس التيمم على الصلاة ، لكن هذا يضعف ، فإن قياسه على الوضوء أشبه ، فتأمل هذه المسألة ، فإنها ضعيفة ( أعني : من يشترط في صحته دخول الوقت ويجعله من العبادات المؤقتة ) فإن التوقيت في العبادة لا يكون إلا بدليل سمعي ، وإنما يسوغ القول بهذا إذا كان على رجاء من وجود الماء قبل دخول الوقت ، فيكون هذا ليس من باب أن هذه العبادة مؤقتة ، لكن من باب أنه ليس ينطلق اسم [ ص: 61 ] الغير واجد للماء إلا عند دخول وقت الصلاة ; لأنه ما لم يدخل وقتها أمكن أن يطرأ هو على الماء ، ولذلك اختلف المذهب متى يتيمم ؟ هل في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره ؟ لكن ههنا مواضع يعلم قطعا أن الإنسان ليس بطارئ على الماء فيها قبل دخول الوقت ، ولا الماء بطارئ عليه .

وأيضا فإن قدرنا طرو الماء فليس يجب عليه إلا نقض التيمم فقط لا منع صحته ، وتقدير الطرو هو ممكن في الوقت وبعده ، فلم جعل حكمه قبل دخول الوقت خلاف حكمه في الوقت ( أعني أنه قبل الوقت يمنع انعقاد التيمم ، وبعد دخول الوقت لا يمنعه ) وهذا كله لا ينبغي أن يصار إليه إلا بدليل سمعي ، ويلزم على هذا أن لا يجوز التيمم إلا في آخر الوقت فتأمله .

التالي السابق


الخدمات العلمية