والقول المحيط بأصول هذا الكتاب يشتمل بالجملة على سبعة أبواب : الباب الأول : في معرفة الطهارة التي هذه الطهارة بدل منها . الثاني : معرفة من تجوز له هذه الطهارة . الثالث : في معرفة شروط جواز هذه الطهارة . الرابع : في صفة هذه الطهارة . الخامس : فيما تصنع به هذه الطهارة . السادس : في نواقض الطهارة . السابع : في الأشياء التي هذه الطهارة شرط في صحتها أو في استباحتها . الباب الأول
في معرفة الطهارة التي هذه الطهارة بدل منها .
اتفق العلماء على أن هذه الطهارة هي بدل من الطهارة الصغرى ، واختلفوا في الكبرى ، فروي عن عمر أنهما كانا لا يريانها بدلا من الكبرى ، وكان وابن مسعود علي وغيره من الصحابة يرون أن ، وبه قال عامة الفقهاء . التيمم يكون بدلا من الطهارة الكبرى
والسبب في اختلافهم : الاحتمال الوارد في آية التيمم ، وأنه لم تصح عندهم الآثار الواردة بالتيمم للجنب ، أما الاحتمال الوارد في الآية فلأن قوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) يحتمل أن يعود الضمير الذي فيه على المحدث حدثا أصغر فقط ، ويحتمل أن يعود عليهما معا ، لكن من كانت الملامسة عنده في الآية الجماع ، فالأظهر أنه عائد عليهما معا ، ومن كانت الملامسة عنده هي اللمس باليد ، أعني قوله تعالى : ( أو لامستم النساء ) فالأظهر أنه إنما يعود الضمير عنده على المحدث حدثا أصغر فقط ، إذ كانت الضمائر إنما يحمل أبدا عودها على أقرب مذكور إلا أن تقدر في الآية تقديما وتأخيرا حتى يكون تقديرها هكذا : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لامستم النساء ، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ، وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ، وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا .
ومثل هذا ليس ينبغي أن يصار إليه إلا بدليل ، فإن [ ص: 58 ] التقديم والتأخير مجاز ، وحمل الكلام على الحقيقة أولى من حمله على المجاز ، وقد يظن أن في الآية شيئا يقتضي تقديما وتأخيرا ، وهو أن حملها على ترتيبها يوجب أن المرض والسفر حدثان ، لكن هذا لا يحتاج إليه إذا قدرت " أو " ههنا بمعنى الواو ، وذلك موجود في كلام العرب في مثل قول الشاعر :
وكان سيان أن لا يسرحوا نعما أو يسرحوه بها واغبرت السوخ
.فإنه إنما يقال : سيان زيد وعمرو ، وهذا هو أحد الأسباب التي أوجبت الخلاف في هذه المسألة .
وأما ارتيابهم في الآثار التي وردت في هذا المعنى فبين مما خرجه البخاري ومسلم : عمر - رضي الله عنه - فقال : أجنبت فلم أجد الماء ، فقال : لا تصل ، فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك ، ثم تنفخ فيهما ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ، فقال عمر : اتق الله يا عمار ، فقال : إن شئت لم أحدث به " وفي بعض الروايات : أن رجلا أتى أنه قال له عمر : نوليك ما توليت ، وخرج مسلم عن شقيق قال : عبد الله بن مسعود وأبي موسى فقال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلا أجنب ، فلم يجد الماء شهرا كيف يصنع بالصلاة ؟ فقال عبد الله لأبي موسى : لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا ، فقال أبو موسى : فكيف بهذه الآية في سورة المائدة ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد ، فقال أبو موسى لعبد الله : ألم تسمع لقول عمار ؟ وذكر له الحديث المتقدم ، فقال له عبد الله : ألم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟ لكن الجمهور رأوا أن ذلك قد ثبت من حديث كنت جالسا مع عمار ، ، خرجهما وعمران بن الحصين ، وإن نسيان البخاري عمر ليس مؤثرا في وجوب العمل بحديث عمار ، وأيضا فإنهم استدلوا بجواز بعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - " التيمم للجنب ، والحائض جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " . وأما حديث فهو عمران بن الحصين " ولموضع هذا الاحتمال اختلفوا : هل لمن ليس عنده ماء أن يطأ أهله أم لا يطؤها ؟ ( أعني : من يجوز للجنب التيمم ) . " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال : يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم ؟ فقال : يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء . فقال عليه الصلاة والسلام : عليك بالصعيد فإنه يكفيك